تواصل ميليشيا أسد في مشروع نقلِ المقابر العشوائية من الأحياء الشرقية في حلب، والتي أقرّته عام 2018 لترحيل رفات أكثر من 5500 قبر عشوائي في مختلف أحياء المدينة، في الوقت الذي يرى فيه النشطاء بأنّه إجراء مخالف للأعراف وسعي لطمس أحد الأدلة على ضحايا حربه.
وتعتبر الميليشيا أن الخطوة في إطار “الحفاظ على البيئة”، وتقول إنّه إجراء يتمّ وفق المعايير المعمول بها، وفق ادعاءاتها، إلا أنّ رفض نظام أسد مشاركة جهات مستقلة أو التواصل مع الجهات الحقوقية، بما يضمن توثيقاً قانونياً للضحايا ولحقوق ذويهم في معرفة القبور الجديدة، يثير الشكوك حول دوافع الإصرار على هذا القرار.
يقول، بيبرس مشعل، مدير الدفاع المدني في حلب، إنه “ومنذ خروجنا من مدينة حلب نهاية عام 2016 تسعى قوات النظام إلى دفن معالم المجازر التي تركتها على مدار السنين العشر الماضية، حيث لا يوجد حي من أحياء مدينة حلب إلا وهو بمثابة شاهد على الإجرام الذي تعرض له البشر والحجر. كان هناك بعض المدنيين مازالوا تحت الأنقاض، وإلى هذه اللحظة تحاول قوات النظام التستر على جرائمها من خلال ملاحقة جميع من كان شاهداً على المجازر، إن كان من أشخاص بقوا ضمن مناطقها أو حتى محاربتهم وملاحقتهم عن طريق أقاربهم ومعارفهم”.
ويضيف في حديثه لأورينت نت “نظام أسد خلال الفترة الأخيرة عمل على نبش قبور الشهداء التي تم دفنها في مدينة حلب، وكان ضمن المقابر أو ضمن الحدائق الموجودة داخل الأحياء من ضمن هذه القبور شهداء مجزرة النهر، والتي بلغ عددهم أكثر من 120 شهيداً. تم نبش قبورهم ونقلهم إلى مقابر ثانية”.
ويوضح المشعل حول محاولة نظام أسد لطمس جرائمه بالقول: “كان هناك تعاون بين الدفاع المدني والطبابة الشرعية بحلب على توثيق كافة الجرائم التي كانت تحصل خلال أيام العمل داخل حلب، من خلال إعطاء رقم للضحية ودفنه أصولاً ضمن مقابر مخصصة، بالإضافة الى تصويره، وأخذ عينات من جسمه، إن كان صعب التعرف عليه لكي يتمكنوا أهلهم من التعرف عليهم”. بدوره أعلن مجلس محافظة حلب التابع لنظام أسد مطلع الشهر الجاري، استئناف مشروع نقل رفات الموتى من المقابر العشوائية في حيّي السكري والعرقوب إلى “المقبرة الإسلامية الحديثة” في منطقة النقارين شرق حلب.
ومع إعلان مجلس المحافظة تحمّله تكاليف الدفن الجديدة، فإنّ الكثيرين باتوا يرون أنّ دوافع هذا القرار مثيرة للشكوك، خاصة أنّ أغلب الرفات تعود لضحايا مدنيين سقطوا نتيجة عمليات النظام العسكرية، بالإضافة إلى مقاتلين في صفوف الجيش الحرّ.
يمان خطيب، وهو صحفي في مركز حلب الإعلامي، يقول لأورينت نت، إن النظام يحاول تلميع صورته في مدينة حلب، لما لها من أهمية اقتصادية وجغرافية أمام العالم، حيث إنه بعد تدمير معالمها ومنها مراكز تاريخية، قام بعد سيطرته عليها بصب جهوده لترميمها، لأن هذا الأمر يدينه أمام العالم رغم محاولات تسويق نفسه من جديد دولياً برعاية روسية.
ويضيف “ببعض الفترات كان النظام يمنع أهالي حلب من تشييع قتلاهم، فيجبرهم على دفنهم ضمن الدائرة الضيقة، حيث إن الجنازة لا تتجاوز بضعة أفراد، في محاولة منه ألا يصل هذا الأمر لوسائل الإعلام، وبعدها بدأ باستهداف مباشر للجنائز بأسلحة غير تقليدية سببت وقوع مجازر كثيرة. قام الأهالي بدفنهم في نفس المنطقة”.وحول المقابر التي ينوي النظام نقلها، يوضح الخطيب أنه “أثناء تقدم النظام للمدينة لم يستطع الأهالي دفن قتلاهم في المقابر، لذلك تم دفن البعض في الحدائق أو قرب المنازل والمرافق العامة بكثرة، لذلك كان العناصر ينبشون القبور ، خصوصاً أن كل قبر عليه شاهدة لها علاقة بالثورة، والأمر لم يقتصر على طمس المعالم التي تدل على القتلى بل كل ما يتعلق بالثورة”.
ويختم الخطيب حديثه “بعد خروج المهجرين من مدينة حلب، لم يستطيعوا نقل رفات أبنائهم، لذلك عمد النظام على نبش القبور وتكسير الشواهد وردم المناطق التي فيها المقابر، حيث كانت ردة فعل الأهالي الكثير من الحسرة والحقد وإحداث شرخ كبير في النسيج الاجتماعي الذي لطالما سعى له النظام”.
عملت ميليشيا أسد بشكل ممنهج على تدمير القبور ونبشها، خصوصاً خلال حملتها الأخيرة على ريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي، ما سبب بإحداث فتنة طائفية بين أبناء القرى والمدن بين من يوالون المليشيات أو المعارضين لها في المناطق التي تم نبش قبور الموتى فيها.
من جهته يقول، العميد محمد الخالد، لأورينت نت: “لم تقتصر جرائم ميليشيا النظام على ترحيل قبور الشهداء ونبشها؛ بل حتى منع أبنائهم وأهلهم من زيارتهم من خلال نقل القبر دون تحديد وجهة له، حتى إنه تم اعتقال أحد الأشخاص في المدينة بعد معرفتهم بزيارة قبر ابنه المقاتل في الجيش الحر داخل أحد أحياء المدينة”.
وخلال الحملة العسكرية على مدينة حلب – يقول الخالد – ارتكبت ميليشيا أسد عشرات المجازر، حيث بقي مئات المدنيين تحت أنقاض أبنيتهم، دون أن يستطيع الدفاع المدني إخراجهم، في حين تقوم قوات النظام بترحيل الأبنية مع الموتى تحت الأنقاض، دون إخراجهم أو محاولة دفنهم في مقابر مخصصة لهم.
نقلا عن اورينت نت