نيويورك: يعتبر الجانب النفسي من بين الآثار الجانبية الكثيرة المترتبة على تفشي فيروس كورونا، وربما يكون الجانب الأقل تقديرا. وقد يعاني هؤلاء الذين مروا بحالة سيئة ثم اجتازوها، مثل الأشخاص الذين شهدوا حروبا أو حوادث، من ضغوط ما بعد الصدمة لأعوام.
وذكرت وكالة “بلومبرغ” للأنباء، أنه من المعروف أن مرض “كوفيد19-” الناتج عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد، يتسبب في زيادة اضطرابات الصحة العقلية والأضرار المصاحبة لها، شأنه في ذلك شأن أي كارثة كبرى. وقد ينتج عن ذلك إدمان الكحوليات أو المخدرات، أو ضرب الزوجة، وسوء معاملة الأطفال.
وذكر الفرع الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية مؤخرا أنه في الأمريكتين – وهي المنطقة الأكثر تضررا من فيروس كورونا في العالم، والتي توجد بها نقاط ساخنة لانتشار الفيروس، تمتد من الولايات المتحدة إلى البرازيل – صارت هذه الأزمة النفسية الاجتماعية، وبائها الخاص.
وفي الولايات المتحدة، تضاعف معدل الإصابات المحلية بالقلق ثلاث مرات خلال الربع الثاني من العام، بالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2019 (حيث ارتفع من 1ر8 في المئة إلى 5ر25 في المئة)، كما تضاعف معدل الاكتئاب بنحو أربع مرات (ليرتفع من 5ر6 في المئة إلى 3ر24 في المئة).
وفي بريطانيا، التي تفشى فيها الفيروس بشكل شرس وشهدت فرض إجراءات إغلاق استمرت لفترة طويلة، فقد تضاعف معدل الاكتئاب تقريبا، ليرتفع من نسبة 7ر9 في المئة بين البالغين قبل تفشي الوباء، إلى 2ر19 في المئة في حزيران/ يونيو.
وكما هو الحال مع كل شيء آخر مرتبط بالفيروس، فحتى قدر المعاناة لا ينتشر بالتساوي. كما أنه يتسبب في إفساد الحياة المهنية والعملية لبعض الأجيال، ولا سيما جيل الألفية، أكثر من غيرهم، بحسب وكالة “بلومبرغ”.
إنها قصة مشابهة لانتشار الاكتئاب والقلق، اللذان يتسببان في تعذيب الأقليات بشكل غير متناسب. ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة، هو معاناة الشباب أيضا من الألم العقلي، وذلك في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ومن المفترض أن يكون ذلك في أماكن أخرى أيضا.
وقد يبدو الامر غريبا للوهلة الأولى، لأن البالغين الاصغر سنا، مثل الأطفال، أقل عرضة للإصابة بمضاعفات صحية كبيرة من جراء الإصابة بمرض “كوفيد19″، إلا أن هؤلاء الصغار يصابون بالقلق خوفا على أقاربهم الأكبر سنا.
ربما يكون من المرجح أن البالغين الأكبر سناً قد بنوا حياتهم بالفعل قبل تفشي الوباء، مع وجود إجراءات روتينية خاصة بهم، وارتباطهم بوظائف وعلاقات يمكنهم العودة إليها. إلا أن الشباب على الجانب الاخر، لم يقوموا بذلك.
وحتى في الأوقات الجيدة، فإن المراهقين والشباب لم يكونوا نماذج مثالية للاستقرار العاطفي. فهناك الكثير منهم غير الراضين عن هيئتهم الجسدية، أو المتخبطين بشأن مسارهم المهني وخياراتهم الجنسية وصداقاتهم.
ولكن في عام 2020، زاد كل هذا القلق. فقد تم غلق المدارس والجامعات وقد يعاد غلقها مرة أخرى هذا الخريف، أو يتم اعتماد طريقة جديدة لتناوب الطلاب على الحضور بصورة جزئية، في ظل استخدام الكمامات والحفاظ على التباعد الاجتماعي، إلى جانب القليل من المرح، بحسب وكالة “بلومبرغ”.
وقد تم إلغاء المعسكرات الصيفية، وأيضا الكثير من فرص التدريبات وعروض العمل. أما العروض الموسيقية والحفلات فقد كانت محل اعتراض من جانب الكثيرين أو تم حظرها. وقد توقفت الحياة الاجتماعية وشبكات البحث عن عمل للشباب، لأول مرة في التاريخ الحديث.
وفي الاساس، تسبب الوباء في إلغاء كل الخطط والتخطيطات. ولم يتمكن الكثير من الشباب من أداء اختبارات نهاية العام الخاصة بهم، دون أن يعرفوا ما إذا كانوا سوف يتقدمون للالتحاق بالجامعات أو لا، ومتى وأين سيكون ذلك، وذلك لأنه ليس من المؤكد أن تفتح الجامعات أبوابها، أو قد لا تستحق الحصول على المصاريف الدراسية من الاصل.
من ناحية أخرى، ليس من المؤكد مما إذا كان الأب والام قادرين على دفع المصاريف الدراسية، حيث يتوقف ذلك على ما إذا كانا سيحصلان على دخل مرة أخرى.
وسواء كانوا صغارا أم كبارا، فإن الأفراد يختلفون في ترتيبهم الخاص بما يطلق عليه “مقياس عدم تحمل المجهول”. فكلما قلت قدرة الشخص على قبول حالة الشك وعدم اليقين، كلما زاد احتمال دخوله في دوامات من القلق بشأن كل سيناريو محتمل، بحسب وكالة “بلومبرغ”.
نقلا عن القدس العربي