نظراً إلى سرعة جريان الأحداث أصبحنا متأخرين عن تقييم اليوم وتحديد مكانته في صفحات التاريخ. لذلك هناك فائدة كبيرة في النظر إلى الخلف ومراجعة الماضي بين الحين والآخر.
لنعمل على تققيم تحذيرات الرئيس أردوغان إضافة إلى عبارته “قد نباغت بعملية عسكرية على حين فجأة وسط ليل مُظلم” معاً. إن الرئيس أردوغان على دراية بمدى عمق هذه الأحداث، ويقرأ هذه السيناريوهات جيداً، لذلك تكون تصريحاته ملفتةً للانتباه.
أشار الرئيس أردوغان في الإفطار الذي اجتمع خلاله إلى مسؤولين سياسيين من الدولة في 15 مايو/حزيران إلى ملاحظات هامة: “عند النظر إلى الماضي القريب نجد أننا شهدنا خلال السنوات الـ 10 الأخيرة، أنشطة مختلفة في إطار إعادة الهيكلة على الصعيد الاقتصادي، السياسي والاجتماعي، أو الثلاثة معاً”. مشيراً بعدها إلى بعض التحذيرات الهامة: “هناك مخططات كبيرة تجري وراء الدمار الذي خلّفه الصراع الموجود في المنطقة. وهناك نوايا مشابهة لهذه تجاه تركيا، خصوصاً أن الهجمات التي تعرضت لها تركيا خلال السنوات الـ 4 الأخيرة ليست من قبيل الصدفة. إذ وصلت هذه الهجمات إلى القمة في خطورتها خلال محاولة الانقلاب التي تعرضت لها تركيا ليلة 15 يوليو/تموز”.
تابع أردوغان خطابه مسلّطاً الضوء على المفهوم الأمني الجديد لتركيا:
“من الواضح أننا سنشهد استمرار الهجمات تجاه خطوطنا الاقتصادية، السياسية والاجتماعية خلال الفترات المقبلة. لذلك توجّهنا إلى إجراء تغيير جذري في المفهوم الأمني للدولة. دفعنا ثمن التصدي لهذه الهجمات داخل حدودنا بما فيه الكفاية. لذلك سنبدأ بالتدخل المباشر في مصدر هذه الهجمات، ونبحث عن إيجاد الحلول فيها. يجب أن نقوم بعدة أشياء دون تأخير. إن التأخير سيتحوّل إلى أفضلية بالنسبة إليهم، لذلك علينا تجنّب التأخير، علينا أن نتخذ خطوات فورية وسريعة. الآن نقوم بالتجهيز للقضاء على فعالية هذه المخططات على مدى خطنا الحدودي بأكمله”.
إن الخط الواصل بين كركوك، الموصل وحلب، هو خط يمثل البقاء والوجود بالنسبة إلى تركيا. إن حماية هذا الخط تشكل استراتيجية كبيرة تعطي لتركيا فرصة إفشال المخططات الإقليمية التي يتم التخطيط لها منذ 100 عام. وستكون تركيا داخل مجريات أحداث هذا الخط في المستقبل.
ندعو إلى عدم التدخل في التركيبة السكانية لمدينة الموصل. ونتابع ثلاث قضايا مهمة بعناية كبيرة:
1)هل ستكون هناك مجازر وسياسات تشييع في مدينة الموصل؟
2)يجب ألا يستقر بي كي كي في هذه المنطقة.
3)البقاء على اتصال مع تلعفر التي يشكل التركمان معظم سكانها.
تركيا لها الحق في التدخل.
سيتم القضاء على جبلي قنديل وسنجار:
تقوم تركيا بمراقبة جبال قنديل وسنجار الجديدة بعناية. نعلم أن الهدف من محاولات استقرار بي كي كي في الجناح الغربي من جبل سنجار هو تعزيز العلاقات بينها وبين وحدات الحماية الشعبية في سوريا. نظراً للتطورات الأخيرة، توضح لنا أن جبل سنجار يقع في منطقة تطل على المواقع الأكثر حساسيةً وخطورةً في تركيا. بعد القرار الذي اتخذته أمريكا في خصوص التعاون مع وحدات الحماية الشعبية خلال عملية الرقة، بدأ بي كي كي بتنفيذ عمليات وتحركات هامة تجاه جبل سنجار. يبدو أن الطرق التي تصل بين هذه المنطقة والشمال السوري تكشف عن الاستراتيجية التي يتبعها بي كي كي على المدى الطويل. يتخذ بي كي كي خطواته منطلقاً من جبل سنجار، ساعياً إلى الاستقرار في المنطقة بهدف تعزيز علاقاته مع وحدات الحماية الشعبية في سوريا.
إيران لا تقف مكتّفةً الأيدي تجاه هذه التطورات. إنها تتابع الممر الأمريكي-الإسرائيلي الذي يمتد إلى البحر الأبيض المتوسط، والذي تحاول أمريكا تأسيس بنيته التحتية من خلال بي كي كي، ووحدات الحماية الشعبية الموجودة في سوريا. يجب على تركيا الوقوف في وجه هيمنة إيران وبي كي كي على المنطقة، إلى جانب ضرورة انتصارها في الصراع الدائر حول السيطرة على جبل سنجار.
الخلاصة:
إن الخطة الدائرة حول السيطرة على الخط الممتد من العراق إلى سوريا، ثم إلى البحر الأبيض المتوسط في غاية التعقيد، وتركيا تقع في قلب هذا التعقيد. تدل هذه الأحداث على أنه لا يمكن لأي دولة أن تنفذ مخططاتها في المنطقة دون موافقة تركيا على ذلك.
ترك برس