تتوفر لإقليم كردستان العراق كلّ الظروف المناسبة للاستقلال من حيث المقومات الديموغرافية والجغرافية والخبرات الإدارية والعسكرية والعلاقات الدولية لتحقيق حلم الدولة الكردية، حيث يتمتع الإقليم بحكم ذاتي منذ عام 1991، كما أن هناك ميلا شعبيا كبيرا يطمح إلى الانفصال.
وكشفت عن هذه الرغبة نسبة الـ98 بالمئة التي صوتت بنعم لمصلحة الاستقلال في الاستفتاء الذي أجري عام 2005، وعطّله سياسيون أكراد بحجة أنه سيمنع ضم مناطق متنازع عليها مثل كركوك.
وتعتزم حكومة كردستان إجراء استفتاء جديد في 25 سبتمبر القادم، وبالتأكيد ستكون نتيجته لمصلحة الانفصال بأغلبية ساحقة، بسبب دافع شعبي كردي عاطفي يحلم بدولته المستقلة، ونتيجة لمفاوضات بين مسعود البارزاني رئيس الإقليم وحكومة بغداد على الانفصال. ولن يصبّ كل ذلك في مصلحة الأكراد في العراق، بل في مصلحة برزاني الذي يعمل على إقامة دكتاتورية جديدة على أساس قومي ليورثها لأبنائه، في منطقة تعيش حروبا ضدّ الدكتاتوريات.
وهذا ما يعكسه سلوك برزاني، الذي مدّد ولايته الثانية عبر البرلمان، ثم عطّله بقوّة البشمركة قبل انتهاء مدة حكمه بحجّة الوضع الأمني والحرب ضد داعش، ثم عاد بقصة الاستفتاء في هذا التوقيت خدمة لمصالحه.
ويرى الباحث العراقي عصام الخفاجي، والذي يؤيد حقّ الأكراد في العراق في إقامة دولتهم، أنّ “التصويت بنعم يعني إطلاق يد مسعود البارزاني للقضاء على تجربة الديمقراطية في كردستان، وتكريسَه دكتاتورا يؤسس لدولة لا تحمل من الشكل الجمهوري إلا الاسم”. واعتبر الخفاجي أنّ “كردستان ليست بدولة مواطنة تتفوق على دولة المحاصصة الطائفية الفاسدة في العراق، حيث أن تحررها من القيد العراقي سيجعلها دولة بوليسية”.
تركيا متخوفة، كما إيران، من هذا الاستقلال، لكونه سيحرك رغبة الأكراد لدى البلدين في الانفصال
ويعد الإشكال الأوّل الذي ستواجهه الدولة الناشئة، في حال تم الاستقلال، هو الانقسامات بين القوى السياسية الكردية داخل الإقليم حول رئاسة برزاني وتعطيله البرلمان، والانقسام بين مناصري برزاني ومناصري طالباني، الذي يعارض الانفصال ويوالي إيران، حيث لكلّ منهما قوات عسكرية خاصة وعاصمة؛ فمسعود البارزاني في أربيل وطالباني في السليمانية، وقد تصادما عسكريا عام 1996.
ويتمثل الإشكال الثاني في أنّ هذه الدولة ستقع في محيط إقليمي رافض لها لأسباب مختلفة تخصّ حسابات كلّ طرف. ويرى محللون أنها ستكون “دولة منغلقة، ومنفذها الوحيد على العالم الخارجي هو تركيا”، وهي ذات علاقات تجارية قوية معها تصل إلى 12 مليار دولار سنوياً.
لكن تركيا متخوفة، كما إيران، من هذا الاستقلال، لكونه سيحرك رغبة الأكراد لدى البلدين في الانفصال؛ هذا ما دفع رئيس هيئة أركان الجيش الإيراني محمد باقري إلى زيارة أنقرة، والتلويح بتنسيق عسكري إيراني تركي واسع ضد أي تحرّك كردي، الأمر الذي ترفضه الولايات المتحدة الداعمة لحزب البايادي، فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا، حيث سارع وزير الدفاع الأميركي إلى زيارة أنقرة وطالبها “بخفض التوجس من تسليح واشنطن للأكراد”. ولا تعارض واشنطن انفصال كردستان، لكنّها تعارض التوقيت، حيث اعتبرته “مسألة خطيرة، في وقت تذهب به الحرب على تنظيم الدولة نحو الحسم” .
ورأت أنه “سيضعف مساهمة القوات الكردية في الحرب ضد داعش”. وفي المقابل تدعم إسرائيل مطلب الانفصال.
وأشار محللون إلى أن “إسرائيل تسعى أن تكون حاضرة في ترتيبات ما بعد القضاء على داعش كما أنها تسعى للدفاع عن نفسها ضدّ التهديد الإيراني” حسبما صّرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للصحافة الإسرائيلية.
وسيشكل تواجد نفوذ إسرائيلي في الإقليم سبباً إضافياً لإيران لرفض استقلال كردستان، إذ كانت أرسلت قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى بغداد حتى توجه رسالة واضحة ضد الاستفتاء. كما دفعت طهران حكومة بغداد، التي تهيمن عليها قوى شيعية موالية لإيران، إلى رفض الاستفتاء بحجة أنّه يخالف الدستور العراقي؛ وتبدو هذه الحجة ضعيفة في نظر الكثيرين الذين يعتبرون هذا الدستور خطة جاهزة لتقسيم العراق.
أما تركيا، التي تعاني من أزمة اقتصادية، فهي تريد الحفاظ على التبادل التجاري مع الإقليم، فضلاً عن التعاون الأمني في ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني التركي.
وتخشى تركيا من مخطط حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، بجهة إنشاء دولة معادية على الشريط الحدودي الممتد من عفرين إلى منبج وعين العرب كوباني وصولاً إلى القامشلي، فهي تريد تجنب الدخول في مواجهات عسكرية مفتوحة على حدودها.
ورغم أحقية الشعب الكردي في العراق، وجاهزيته لإعلان دولته المستقلة، إلا أنّ معظم التحليلات ترجح نجاح الضغوط الدولية والإقليمية في تأجيل مسألة الانفصال.
لكن الأمر يبدو مختلفا في سوريا، فقوات البايادي ليست إلّا ميليشيات تمثل امتدادا لحزب العمال الكردستاني، وقد سيطرت على ما يسمى روج آفا وشمال سوريا بالقوة، بدعم أميركي وبقيادات غير سورية.
القدس العربي
رانيا مصطفى