عندما يجتمع الحب وإخلاص النية بين حبيبين لن تخذلهما ظروف ولن تعيق أحلامهما تقاليد مجتمعية بالية.. فالحب الحقيقي ليس لأولئك الذين يشبهوننا.. إنما لقلبين عاشا ظروفا مختلفة وكان من المستحيل أن يلتقيا.. وتحقق الحلم، فلا شيء يصف شعور شخص عثر على نصفه الآخر.
نجوى امرأة ثلاثينية هادئة رقيقة المشاعر.. تشعّ من عينيها حنية الكون بأسره.. شاءت الظروف أن توصم بصفة مطلقة وهي بعمر الزهور، لتكمل حياتها مع طفلها الوحيد.. حاملةً هموم جبالٍ في قلب طفلة.
بقيت نجوى على هذا الحال سنوات مع طفلها في منزل أهلها الذين حاولوا جاهدين تعويضها عن كل حرمان وحزن خالج قلبها البريء، حتى ساقتها الأقدار إلى صدفةٍ لم تكن تدري نهايتها.
تروي نجوى قصتها بعينين باسمتين وثغرٍ ضحوك يترجم خفقان قلبها النابض بالحب: “شاءت الأقدار سافر مع أخي زيارة عمرة إلى بيت الله ويكون مرافقنا بالرحلة رفيق أخي اسمه بهاء كان آخد أمه معه.. وبهالفترة اللي قضيناها معهم تعرفنا على بعض.. ماكان خاطر ببالي أنه ممكن يتحول لحب وخاصةً أنه أنا أكبر منه ومطلقة وعندي ولد”
لم تمضِ فترة قصيرة حتى حدّث بهاء صديقه بنيته خطبة أخته نجوى وأنه وجد المرأة التي أحب.. لتبدأ رحلة الألم عندما رفضت عائلته الزواج بها وارتباطه بامرأة تكبره بالعمر ومطلقة.
على الرغم من إصرار بهاء الزواج من نجوى متحديا عدم رضا أهله بمن أحب.. إلا أنها رفضته ولم تشأ أن تبدأ حياتها برفضٍ من قبل أهله.. وهي التي عانت مرارة تجربةٍ سابقة كان لتدخل الأهل النصيب الأكبر في فشلها.
بدأت الثورة وتفرّق الحبيبان بسبب النزوح والتهجير.. لتنزح نجوى مع أهلها إلى تركيا ويهاجر بهاء إلى السعودية.. وتُطوى مشاعرهما بين غياهب البعد والظروف القاسية التي مرت عليهما حالهم حال سائر السوريين.
وبعد مرور عدة شهور تقدمت نجوى وأخوها ووالدتها بأوراقهم لموسم الحج.. وجاءت موافقة الزيارة، بعد سنوات من محاولتهم أداء فريضة الحج وكانت في كل مرة تعود بالرفض لعدم تحقيق الشروط.
وصلت نجوى وعائلتها لأداء فريضة الحج وفي صدفةٍ جميلةٍ من خلال منشورٍ لابنها على صفحته فيسبوك، علم بهاء بوجودها وعائلتها في السعودية.. تحدّث مع ابنها طالباً رقم تواصل معها.. ليتصل بأخيها ويأتي على الفور إلى الفندق الذي نزلوا به.
لم تنزل نجوى في بادئ الأمر إلى قاعة الاستقبال لمقابلته، إلى أن حان موعد آذان العصر ذهبوا جميعاً إلى الحرم لأداء الصلاة، وهناك أمام الحرم تقدّم بطلب يدها قائلاً “لقاءنا الأول كان في هالمكان المبارك وساقتنا الأقدار نلتقي بنفس المكان.. بتمنى هالمرة ماتردوني خائب”
كانت نجوى ماتزال مترددة بشأن رفض أهله.. إلى أن هاتفتها أم بهاء راجيةً منها المرافقة قائلةً: “كنت مفكرة ابني عم يمر بنزوة وبعدها بينساك.. بس طالما بعد سنوات رافض يتزوج ولسى بدو ياكي معناها بحبك.. مابدي وقف بطريقكم.. الله يوفقكم”
لم تكن الدنيا لتسع فرحة نجوى بسماعها تلك المهاتفة.. رقص قلبها سعادةً من عجائب أقدار الله وعوضه.. وافقت نجوى وعقد قرانهما في حرم بيت الله وأكملا فريضة الحج معاً.. ليعودا بعد مدة إلى تركيا ويكملا حياتهما معاً مع ابنها وطفلتهما التي رُزقا بها.
تواجهنا عثرات كثيرة في حياتنا نظن حينها أن لن تقوم لنا قائمة.. حتى يأتي عوض الله ليدهشنا ويعيد البهجة إلى أرواحنا المتعبة.. فقط علينا ألا نفقد الأمل.. وننتظر الفرج لأنه آتٍ لامحالة مهما طال.
قص خبرية/ إيمان هاشم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع