فاطمة.. شابة عشرينة طويلة القامة واسعة العينين، حنطية الوجه من محافظة اللاذقية التقيت بها في مدينة التينوزو التركية التابعة لولاية هاتاي عند أحد معارفنا (بيت أبو أحمد) في تلك المدينة.
كل مرة أزور بيت أبو أحمد لا أجد سوى أم أحمد وزوجة ابنها وأحفادها ذات مرة صادفت وجه شابة عندهم ظننت أنها جارتهم أو قريبتهم ترددت في البداية بسؤالي عنها بين الحينة والأخرى أنظر إلى وجهها الشاحب ومقلتيها المليئتين بالحزن والحسرة.
أثارت نظراتها البائسة فضولي فسألتها عن أحوالها وذويها وأهلها فبدأت تنهمر بالبكاء الشديد ظننت لديها حالة وفاة لا قدر الله انتظرت حتى هدأت قليلاً بينما أم أحمد أحضرت لنا القهوة وبدأت تروي لي حكايتها.
فاطمة: أهلي كلن بخير بس أنا مالي بخير
أنا: خير شغلتي بالي شو صاير معك
فاطمة: من 15 يوم كنت عروس وكنت مبسوطة كتير بعد رحلة تهريب دامت شهرين والآن أصبحت مطلقة.
تفاجأت كثيراً ووضعت فنجان القهوة على الطاولة كيف يعني بعد 15 يوم زواج طلقك “أي والله هيك صار معي”.
كانت فاطمة تعيش في مدينة اللاذقية مع عائلتها تقدم الشاب بلال(شاب ثلاثيني يعمل في ولاية مرسين التركية) لخطبتها وكما جرت العادة الشباب لا يستطيعون القدوم إلى سوريا بسبب الخدمة الإلزامية لدى النظام فجرت أحداث الخطبة من وراء الكاميرا (تعارف، فصل النقد، …)، استمرت فترة الخطبة قرابة سنة لم يظهر من بلال سوى الصفات الحسنة وبدأت تتجهز وتحضر مراسيم زفافها راسمة مستقبلها المشرق مع شريكها بلال.
ولكن كانت تخاف من صعوبة طريقها من اللاذقية إلى تركيا وخاصة بعد إغلاق الطرقات لم يعد هناك مجال سوى التهريب فأصبحت تستنير بصديقاتها اللواتي سافرن إلى تركيا وطمأنوها أن الطريق من اللاذقية للمناطق المحررة يستغرق بضعة أيام بينما الدخول لتركيا قد يطول قرابة شهر وأكثر وبالنسبة للتكاليف المادية قد تصل إلى 2500$ .
عمل بلال كان ضعيف لا يستطيع تأمين كلفة السفر كلها مما جعلها تبيع قطعتين من ذهبها لتأمين تكاليف السفر ورتبت كل تفاصيل السفر ونسقت مع عدد من المهربين وانطلقت برحلتها في منتصف الشهر الثالث من العام الجاري استغرقت ثلاثة أيام حتى وصلت إلى منطقة قريبة من الحدود التركية وطلب منها المهرب أن تقطن في منزله مع مجموعة من النساء والأطفال والشابات ريثما يصبح الطريق آمن وينطلقوا إلى تركيا.
حاولت عدة مرات الدخول إلى تركيا ولكن الوضع كان سيء للغاية لم تستطع، فما عليها إلى المحاولة والانتظار بعد قرابة أكثر من شهر ونصف وهي في منزل المهرب.
مع كل المعاناة التي واجهتها خلالها لكنها كانت تحلم بغد أجمل ينسيها مرارة ما ذاقته فقد نحل جسدها من محاولات التهريب وأسمرت بشرتها من حدة الشمس فمرة تعبر من النفق ومرة تجتاز جدار يصل طوله لأربع أمتار ومرة تركض في وادي مليء بالشوك والحفر في منتصف الليل وكلها بأت بالفشل.
وفي المحاولة التاسعة تمكنت من الوصول إلى مدينة الريحانية الحدودية وكان بلال بانتظارها هناك سعادتها بلقاء بلال لا توصف ولكن ملامح وجهه لم تكن كما هي لم يبدي أي من مشاعر الود والفرح لرؤية فاطمة، تفاجأت بتصرفات بلال كثيراً وكأنه شخصاً آخر تماماً “ليش هيك ما حلوة بالصورة كنتي أحلى بكتير وضعفانة كتير متبشعة”، “إلي تقريباً شهرين عم اتعذب كيف بدك كون”، استمر زواجهما 15 يوماً مصحوباً بمشاجرات وخلافات وكان ينتظرها على كل غلطة صغيرة ليخلق منها مشكلة، حتى وصل به الأمر إلى طردها خارج المنزل في الشارع وحيدة وخيبتها بزوجها ومستقبلها كبيرة يكاد عقلها لا يصدق ما حدث وكأنه كابوس.
سارت وحدها في الطريق لا تعرف أحد ولا تدري أين ستذهب وكيف ستخبر أهلها بهذه الفاجعة لم تذكر أحد من أقربائهم في تركيا سوى بيت أبو أحمد فاتصلت عليهم وأخبرتهم بمصابها ليتأتوا مسرعين ويصطحبونها إلى منزلهم.
تلك تفاصيل قصة فاطمة التي لا تزال تعيش حالة نفسية متدهورة بعد كل الخيبات والمعاناة التي واجهتها وهي شابة صغيرة لا تقوى على حملها.
بقلم: عبير خطيب
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع