يستلقي “يوسف” على سريره في كرفان له بمخيم الزعتري، تشعل له ابنته سيجارة ويحكي لها عن الحب والحرب والغربة والشوق إلى الوطن، يعد “يوسف” رجلا من المعمرين فعمره قرن ونيف إذ بلغ عمره 113عاماً، من مواليد 1كانون الثاني 1903، فغالبا ما يجلس على سريره ويراقب بصمت ما يحدث حوله، ممسكا سبحته في يده الأخرى.
يعيش “يوسف” مع ابنته وأطفالها، بعد وفاة زوجته منذ أكثر من 26 عاما، فابنته هي من بقي له، ” بنتي الله يرضا عليها هي وولادها ما يتركوني أبدا” ففي الفترة الأخيرة لم يعد “يوسف” يسمع جيدا، فكثير ما تعيد السؤال عليه مرارا، كما انه فقد قدرته على استخدام ساقيه، تخفض ابنته صوتها “من قله المشي… كان متعود يمشي كتير بالأرض هون ما عاد طلع من الكرفانة”.
بصوت خافت وكلمات تخرج بصعوبة يحكي عن سر بلوغه هذا العمر،” أصلّي كثيرا وباكل أكل بلدي وصحّي” ينظر إلى ابنته ويبتسم “وبدخن كثير”، تقاطعه ابنته لتنحني وتقبل يده:” ما في تدخين الدكتور منعك منشان صحتك” ففي الآونة الأخيرة يشتكي “يوسف” من آلام في صدره بسبب الجو الصحراوي للمخيم.
لم يتخيل “يوسف” أن يقضي ما تبقى له من العمر خارج حدود الوطن، فهو فلاح من أنخل الواقعة في ريف درعا، ليحكي كيف القصف المتكرر أجبر أبناءه على الخروج من المنطقة بعد أن تعرض بيتهم لغارة بالطيران السوري وتحرق المنزل بالكامل، اليوم أعيش بعيد عن أرضي في مخيم على الحدود الأردنية.
عندما نزح “يوسف” إلى المخيم كان المخيم مجرد مجموعة من الخيام، أما اليوم وبعد 5 سنوات أصبح مخيما يتألف من صفوف من الكرفانات التي تؤوي أكثر من 80ألف شخص، جميعهم لاجئون فروا من الحرب، “من أول يوم دخلت المخيم وأنا بسألهم أيمت رح نرجع.. اليوم ما عاد حدا يرد ع سؤالي!!”.
بعد حديث متعب بالنسبة له عن الحرب، يصمت للحظات ويتابع حديثه عن ذكريات جميلة عاشها في سوريا،” تزوجت عن حب ” يصمت للحظة “سنة 1930″، ينظر ليدية ليحاول عد أبنائه بالترتيب، فهو يملك من الأبناء ثلاثة وأكثر من 160 حفيداً موزعين على أكثر من ثلاثة أجيال، ” ولادي وأحفادي مغتربين أكثرهم قبل الحرب”، فتأتي الحرب وتخرج “يوسف” وعائلته بالكامل من سوريا.
ينهي سيجارته، ليهمس لبنته أن تشغل له أخرى فحديث الذكريات ينعش روحه ويبعث في نفسه الأمل، “كان عندي 150 دونم، أزرعها عدس وبطاطا” يتنهد ويكمل، ” عجب شو صار فيها، سمعت مره حفيدي عم يحكوا انوا النظام عم يحرق الأراضي”.
عاصر “يوسف” الكثير من رؤساء، وعاش أيام حرب، “ما مرقت حرب ع سوريا متل هل حرب”، ففي رأيه أن رؤساء حكموا سوريا كان يشتهروا بالعدل والرحمة، ” شكري القوتلي… الله يرحموا كان يحب هل بلد ويخدمها”، تحاول ابنته دائما أبعاده عن أخبار السياسة والحرب فهي تمنعه من مشاهدة التلفاز خوفا على صحته، ” لو بقدر لعطي من عمري… هو وطني”.
لم يعد يملك “يوسف” سوى ذكريات يفقدها كلما تقدم به العمر، ” ما عاد بدي من هل عمر شيء غير أني أندفن بأرضي بسوريا”، ليتمنى أن تنتهي الحرب ليعود إلى أرضه وبيته، فقد أتعتبه الغربة، كما أنه يتمنى أن يعيش أحفاده في سوريا، بعيدا عن أجواء المخيمات، لتختم ابنته بقولها ” الأرض النا الأسد رح يرحل… ورح نرجع نعمرها أكيد”.
المركز الصحفي السوري – أماني العلي