تتبع جميع دول العالم سياسة اقتصادية في مؤسساتها بغية النهوض بها وإيجاد الحلول المناسبة بناء على خطط ودراسات واتباع آليات تصب بالدرجة الأولى في مصلحة الشعب والدولة ككل، وهناك أمثلة على كثير من الدول كانت من أفقر البلدان لكنها تحولت وبجهود حاكميها إلى دول غنية باقتصادها ومواردها.
إلا أن الوضع في سوريا يختلف كليا عن باقي الدول، فلم تكفيها مرارة الحرب التي أعادت اقتصادها سنينا للوراء، ليأتي مسؤولوها ويزيدوا “الطين بلة” كما يقال، فمن يراقب وضع سوريا الاقتصادي والقرارات الصادرة عن وزاراتها يجد التخبط والعشوائية بها، وأنها بعيدة عن المنطق والواقع المتردي الأليم الذي يشوبه الفقر والحرمان في الشارع السوري.
وآخر قرار صادر عن وزير الاقتصاد التابع للنظام “أديب ميالة” يقضي بالسماح بتصدير ذكور الأغنام العوانس والماعز الجبلي، بموجب 6آلاف رأس أسبوعيا، وحتى نهاية شهر نوفمبر_ تشرين الثاني من العام الحالي.
ومن المتعارف عليه أو مايمكن للمنطق تقبله، أن الدولة عندما تضع أي سلعة أو منتج في قائمة صادراتها، من المفترض أن يكون فائضا عن حاجتها بالدرجة الأولى، إلا أن ارتفاع أسعار اللحوم ومنتجاتها في سوريا جعل منها مادة في قائمة الرفاهيات والكماليات التي يمكن الاستغناء عنها، ليكون تواجدها في أطباق السوريين حلما لدى الكثيرين الذين تساءلوا: “بدنا نصدر أغنام ونحن عم نشتهى ريحتها، أكيد ميالة جن”.
واستنكر البعض القرار واعتبره توقيته قبل عيد الأضحى بفترة قصيرة بمثابة الصفعة الكبرى، حيث سيؤثر تصدير ذكور الأغنام سلبا على أسعارها التي أخذت بالارتفاع تدريجيا منذ بدء سريان القرار، الأمر الذي سيتسبب بتراجع الكثيرين عن تأدية الأضاحي لهذا العام، حيث يتفاوت سعر كيلو لحم الغنم من مدينة لأخرى ولايقل ثمنه عن 4000 ليرة للكيلو الواحد.
وكالعادة يجد “ميالة” مبررا لقراراته التي تصب فقط في مصالح مسؤوليه، حيث أوضح عبر صحيفة الوطن الموالية وضح أن التأثيرات ستكون تدريجية وغير حادة لأن مسألة التصدير ليست مفاجأة وأن هناك حالة مستمرة من تهريب الأغنام بشكل شبه يومي إلى لبنان ومنه إلى بعض الدول الخليجية وأهمها السعودية وبيّن أنه يتم شحن الأغنام براً إلى بيروت ومنها إلى السعودية بالطائرة حيث تصل أجور الطائرة لنحو 30 ألف دولار.
وبرر أيضا أن اللحوم متوفرة في الأسواق ولايوجد ازدحام على شرائها نظرا لارتفاع سعرها، وأنه يوجد لحوم بديلة كالدجاج واللحوم المجمدة يمكن للمواطن المتوسط الدخل الاستعاضة بها، ناسيا أن حكومته الموقرة تقوم بشكل يومي بمصادرة اللحوم المجمدة القادمة من تركيا على وجه الخصوص.
رغم جهود “ميالة” الحثيثة بابتكار مبررات لإسكات السوريين، إلا أنها لاتمت للواقع بصلة، وحري به أن يضبط الحدود ويحد من التهريب بشكل عام، على أن يستهين به ويصدر قرارات اقتصادية بناء على إجراءات سلبية تضر بالمواطن السوري أولا وأخيرا، ولايغيب عن بال أحد أن موضوع التهريب مرتبط بشكل وثيق بمسؤولي النظام، وهم المستفيد الأكبر من أي عملية تتم بعد مباركتهم لها وتأمين الحماية اللازمة.
اقتصاد يتهاوى، ومسؤولون آخر همهم ماذا يأكل المواطن السوري، أو كيف يعيش، فتعبير ميالة أن اللحوم متوفرة ولا أحد يشتريها أكبر دليل على تواطئهم وترجيحهم لمصالحهم على مصلحة الشعب ككل، بدل من أن يدعموا الأسواق ويصدروا قوانين للحد من السرقات واستغلال التجار لهم، ومع الارتفاع اليومي لسعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية ستتحقق مقولة المسؤولين الموجهة للمواطن السوري :” ياكل حشيش مافي مشكلة”، فكيف سنتطور ونرتقي والمسؤولون هم نبع الفساد في سوريا؟.
مجلة الحدث ـ سماح الخالد