يُعد كتاب (سيكولوجية الجماهير) الأسبق بدراسته لعلم النفس بطريقة تحليلية من وجهة نظر اجتماعية، تفيدنا بشرح جذور تصرفاتنا العمياء، والأسباب التي تدفعنا للانخراط في جمهور ما.
مؤلف الكتاب غوستاف لوبون (1841ـ ت 1931م) طبيب ومؤرخ فرنسي، كتب في علم الآثار وعلم الأنثروبولوجيا، واهتمّ بعلم الحضارات وكتب في العديد من مجالات العلم إلى أن انتهى به المطاف إلى ساحة علم النفس الاجتماعي , فكان المؤسس الأول لعلم نفس الجماهير, إذ تركزت أبحاثه على السلوك الجماعي.
قدم المؤلف في كتابه دراسة شاملة عن جماعات الجماهير وطبيعتها، وكيفية توجيهها من قبل السلطة سواء كانت سلطة إعلامية، سياسية، اجتماعية.
ويرى الكاتب أن الذين ينتمون لجمهور معين هامشييون وشاذون عن المجتمع؛ كالذين يعانون من نقص في الانتماء فسماهم (القطيع، الرعاع) وتفسيره لهذا الاتهام , أن الجماهير تنصهر روحها الفردية داخل جماعة؛ لتصبح روحًا واحدة تخفض من الملكات العقلية والتمايزات الشخصية، والاختلاف فيما بينها بالقناعات والمبادئ فيسهل عليها أن تقوم بتصرفات سلبية لا تستطيع القيام بها إن كانت وحدها، كالجماعات التي تقوم بتحرشات أو عمليات إجرامية.
يقول لوبون: ” إننا لا نستطيع تحريك جمهور إلا عن طريق عاطفته، وعاطفته المتطرفة فقط؛ أي أن نجذبه إلى أحد التيارين؛ لذلك فالحيادي الموضوعي لا يمكن أن يكون داخل القطيع أبدًا”.
وتحدث أيضا عن عواطف الجماهير وتضخيمها أو تبسيطها للأشياء، حيث أن عواطف الجماهير غير المتجانسة تزداد مبالغة وتضخيما؛ بسبب انعدام المسؤولية.
ويبدو على هذا الكتاب بعد أن تعلمنت أوروبا في العصور الحديثة و حلت الأيديولوجيات السياسية محل الدينية في القيام بهذه المهمة، لذا كتاب غوستاف لوبون (يريد أن يقول بأن هؤلاء الهمج الرعاع هذه صفاتهم وعلينا أن نحذر منهم).
تحدث لوبون عن تأثير العرق على نفسية الجماهير بمعناه يقصد مجموعة جماهير قد عاشوا معا لفترة طويلة، خضعوا فيها لنفس العقائد والقوانين التي شكّلت تفكير وروح تلك الجماهير. فعنصر العرق، له دور كبير على دراسة نفسية الجماهير، ومعرفة أفعالهم وردود أفعالهم. وكذلك فالعرق من العوامل التي تحدد أراء الجماهير. ,
الكتاب يركّز أساسا على كيفية أنّ هذه الجماهير تتعرض لوابل من الأفكار والمعتقدات الممارسة عليها، والتي تدخل ضمن العقل اللاواعي لتلك الجماهير، مما يجعلها في كثير من الأحيان تقوم بأمور خطيرة أو غير متوقعة ومتقلبة، بسبب ما تستقبله تلقائيا من المحيط حولها.
ولهذا درس الكاتب عمل اللاوعي لدى الجماهير كونها إحدى مفاتيح معرفة طرق السيطرة على الجماهير وفق استراتيجيات مضبوطة تراعي الحالة المتطورة الآنية وتغيّر الزمان وعقليات الناس.
و يعتقد لوبون إن الجماهير الفوضوية بطبعها تميل إلى حب السلطة القوية وتخاف من فقدانها، حيث أنها تتنمر وتنقلب على السلطة الضعيفة وفي حال كانت السلطة تتأرجح بين هذا وذاك، فإن الجمهور أيضًا يتأرجح بين الالتزام والفوضى، ولكن تبقى الغريزة الثورية والانتماء إلى قضية أمرًا مهيمنًا على روح الجماعة بشكلٍ كامل فالأفكار كما يقول لوبون لا تفعل فعلها في الجماهير إلا إذا دخلت إلى اللاوعي وتحولت إلى شكل عواطف.
ورأيه أن الجماهير لا تعقل، فهي ترفض الأفكار أو تقبلها كلاً واحداً، من دون أن تتحمل نقاشها أو مناقشتها.
ويرى غوستاف لوبون أن الجماهير مستعدة دائماً للتمرد على السلطة الضعيفة، فإنها لا تحني رأسها بخنوع إلا للسلطة القوية، وإذا كانت هيبة السلطة متناوبة أو متقطعة فإن الجماهير تعود إلى طباعها المتطرفة، وتنتقل من الفوضى إلى العبودية، ومن العبودية إلى الفوضى.
ويظن المؤلف أن نمط البطل العزيز على قلب الجماهير هو ذلك الذي يتخذ هيئة القصير، فخيلاؤه تجذبها، وهيبته تفرض نفسها عليها، وسيفه يرهبها.
أما السؤال المهم الذي يطرحه الكتاب كيف يمكن للقادة أن يجيشوا الجماهير بمثل هذا الحجم؟
وطبعا غوستاف لديه الحل, لكن باحثو اليوم ابتعدوا في بحثهم عن آليات السيطرة على الجماهير وذهبوا إلى الأسباب والاشتراطات.
أما وسائل العمل التي يستخدمها المحركون والقادة فهي : عندما يريد المحركون او القادة إدخال أفكار معينه بين الناس فهم يستخدمون الوسائل التالية وهي : التأكيد ، التكرار والعدوى. وأكيد يكون تأثيرها ليس بالصورة المرجوة، ولكن على مدى دائم ومتواصل ستحقق الضالة المنشودة، وتأثيرها سيكون عميقا في نفوس الناس
محمد إسماعيل/ المركز الصحفي السوري