بعيون دامعة ووجه شاحب وورود حمراء يابسة بجانبه على السرير داخل غرفته المسدلة الستائر، يجلس رامز المهندس الزراعي الثلاثيني، محدقاً في سقف غرفته المعتمة.
يُقرع الباب تدخل طبيبته ندى دون أن يلتفت إليها لينطق أولى كلماته بعد شهور من الصمت، “لو أعرف هيك بدو يصير ماكنا عملنا حفلة كنت ضليت ومتت معهون”.
عبثاً محاولات ندى محادثة رامز لعلها تؤثر بمشاعره المتعبة للخروج من حالة الكآبة والحزن المبهم الذي يعيشه رامز ،”مالازم تحكي هيك الحياة لسه قدامك مالازم تيأس”.
بقي رامز صامتاً بوجه شاحب ويدين مرتجفتبن.
فتحت ندى النوافذ واتجهت بعيونها نحو الأفق مرددة بعض الكلمات، ” شو صرلك مابعرفك هيك إنت مو بحاجة لعواطف ودعم من حدا إنت قوي ورح ترجع تلاقي حالك ومستقبلك لحتى تحقق أهدافك”.
كان يوم الثلاثاء من عام 2006 يوماً مزعجاً وبائساً في كفرزيتا الغنية بأشجار الفستق، كما عبّر عنه رامز، فقد فيه أغلى من يملك وتحطم على إثره قلبه.
بصباحٍ مشرقٍ جميلٍ تعود فرح بعد ساعة من ذهابها إلى المدرسة بابتسامة بريئة لاتفارق وجنتيها وقلب يغرد فرحاً بتفوقها قائلة “”أنا نجحت يابابا … ماما جبت الأولى عالصف””
لترتمي بين أحضان أبيها وتحتضنه بيديها الصغيرين ،””رح نعمل احلى حفلة ونعزم فيها الكل يا روح البابا”.
لتقاطع حديثهما أم فرح “”الله لايحرمني منك يافروحة قلبي شو شطورة “.
بهذه الأدعية والأمنيات عاش رامز آخر ساعات مع عائلته الصغيرة.
ساعات التحضير للحفلة مضت مسرعة مابين إعداد أم فرح ورامز لأشهى للحلويات والمأكولات وتزيين الغرفة .
رامز حائر ماذا سيحضر لحبيبته المدللة فرح أخيراً اختار دمية بعيون زرقاء وباقة ورود بيضاء ليعود مسرعاً وقلبه يرقص فرحاً.
لحظات السرور هذه تخللتها قذائف المدفعية.. سقطت تباعاً على منازل البلدة وأهلها الطيبين لتتسارع نبضات قلب رامز مع خطواته، وقبل وصوله سقطت إحدى هذه القذائف في منزله لتتحول فرحته إلى حزن شطر قلبه.
لم يستطع أن يضم فرح ويقبلها، لم تأخذ هديتها منه لم تحتضنه .
ماتت فرح أيقونة حياته مع أمها تاركة جرحا عميقا في قلب رامز لم يبقَ من ذكراها سوى باقة ورد يابسة ودمية شقراء لم يتسنَ لابنته رؤيتها.
قذيفة أدمت عيون رامز ومزقت قلبه، مثله كمثل كثير من الآباء الذين فقدوا عائلاتهم ..
رامز الآن يعيش مع عائلته الجديدة، ولكن فرح وأمها حاضرة دائما في عقله وقلبه، فالموت موجع ولكن فقدان الأمل ضياع ..
خيرية حلاق
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع