“كالصاعقة على قلوبنا نزل نبأ استشهاد محمد، منذ ذلك اليوم ولليوم لا شيءَ يملأ فراغ مكانه بيننا، وحتى بعد مرور تسعة سنوات على استشهاده، لايزال حاضراً في أحاديثنا وذكرياتنا”
أثرُ الفقدِ أكل ملامح أم محمد وحفر على معالمها نقوش القهر والانكسار، وتصف ابنتها تسنيم ما حدث مع والدتها فتقول “كانت والدتي بصحة ممتازة وجسد معافى وسليم، لكن استشهاد محمد جعل صحتها تتدهور شيئاً فشيئاً، حتى أصابها داء السكري والضغط ومشاكل جسدية عديدة، لتفقد أكثر من نصف وزنها”
تهجرت عائلة أم محمد إلى تركيا قبل أعوام، بينما ظل محمد هناك يدافعُ عن أرضه في حلب مع إحدى فصائل المعارضة، وكانت نهايته هناك على أرضه يروي ترابها بدمه وضحكته تشهدُ على حسن ما لقى وما شاهد بعد نيله الشهادة التي تمناها.
كان مع محمد رفيق دربه سعيد حيث استشهد محمد بين يديه ويصف لذويه لحظاته الأخيرة فيقول، “تشاهد عدة مرات ثم ابتسم لدرجة الضحك وفاضت روحه لباريها، كان ذلك ما يتمناهُ وذلك ما نال، وكان مقبلاً غير مدبر حتى أصابته رصاصةٌ في صدره أردته قتيلاً على الفور”
تقول تسنيم كنت ووالدي في طريقنا إلى سوريا من تركيا كزيارة طبيعية يوم استشهاد محمد، لم نكن نعلم أن قدرنا ساقنا لوداعه وأخذ النظرات الأخيرة منه، وتضيف “عند وصولنا للبيت كانت جموعٌ غفيرة من أهالي الحي أمام الباب وبداخله، قالوا لنا أن ابن عمك قد أصيب لكنني عند رؤية الجموع تلك أدركت أن مصيبةً قد حصلت وأن شيئاً كبيراً بانتظارنا، وقعت في الأرض ولم تعد قدماي تحملاني وبدأت بالصراخ على فقيدنا”
كانت أم محمد في تركيا، ومنذ وصولها الخبر لم تهدأ حتى وصلت حلب في اليوم الثاني لوداع ولدها البكر وقرة عينيها، حيث وصلت ونظرت له النظرات الأخيرة وقبلت جبينه.
بدموعٍ ووجع كبير تروي تسنيم تفاصيل الوداع الأخير “اجتمعت الناس للمشاركة في تشييع محمد، كنا ننتظر وصول والدتي التي وصلت منهكةً مكسورةَ الخاطر، علامات الصدمة تغلب عليها وفيها من الوجع الكثير، ودعت محمد وسارت مع المشيعين إلى المقبرة وهي تصرخ تارةً وتغرد تارةً أخرى”
اليوم أم محمد وبعد تسعة سنوات تعيش أزمةً كبيرة، أزمة صحية ونفسية لم تقدر على الخروج منها رغم محاولات العائلة بالتخفيف عنها وثنيها عن التفكير والتمسك بذكريات الماضي، لكنه قلب الأم الذي لا يعرف القسوة والنسيان، كذلك والده هو الآخر فقد أعز ما لديه وأصبح مكسور الخاطر مريضَ القلب على فقد ولده.
إبراهيم الخطيب/قصة خبرية
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع