تهامة الجندي
أطفال سوريا الذين أطلقوا شرارة الثورة عام 2011، يبادرون هذا العام لإحياء يوم المسرح العالمي، مع رائعة شكبير «روميو وجوليت» التي يفتتحونها مساء السابع والعشرين من آذار/مارس الجاري، على سطح دار «سوريات عبر الحدود» بعمّان/الأردن، وهي دار لعلاج الجرحى السوريين، وسيكون روميو في العرض، طفلا من نزلاء الدار، فقد أهله وساقه، إثر سقوط برميل متفجّر على بيته، يعشق جولييت الطفلة المحاصرة مع عائلتها في إحدى المناطق السورية المنكوبة، بينما يلعب برنامج السكايب دور الحمام الزاجل بين العاشقين.
إعداد النص الشكسبيري، وتقديمه في إطار مسرح الطفل، هو التجربة الثانية للمخرج السوري نوار بلبل، ضمن مشروع أطلقه قبل عام في مخيم الزعتري للاجئين السوريين، تحت عنوان «أخرجوا الأطفال من لعبة الكبار القذرة»، حين نصب خيمة باتساع مئة متر مربع في عمق المخيم، سماها «خيمة شكسبير»، وجمع فيها مئة وعشرين طفلا لاجئا، قام بتدريبهم على عرض «شكسبير في الزعتري»، الذي أعدّه بالاستناد إلى مسرحيتي «هاملت» و»الملك لير»، وافتتحه في يوم المسرح العالمي، بعد أن قرأت كلمة المسرح المخرجة الأردنية سوسن دروزة.
سألته لماذا شكسبير؟ قال: لو أنني وضعت عنوانا آخر كـ»البراميل تسقط على حلب»، لما كان الإعلام اكترث بتغطية العرض. مع اسم شكسبير، وضعت طُعما طيبا، استقطب أكثر من ثلاثين وسيلة إعلامية إلى مخيم الزعتري، ما جعل الإعلاميين يدخلون في تماس مباشر مع اللاجئين، ويلمسون عن قرب عذاباتهم وأوضاعهم الصعبة.
بعد تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق عام 1998، أدى نوار الكثير من الأدوار في المسرح والدراما السورية، أسس فرقة «الخريف» وأخرج عرض «المنّفردة» ولعب فيها دور المعتقل السياسي، وكان واحدا من أوائل الفنانين السوريين، الذين أيدوا الثورة السورية، وانخرطوا في صفوف المتظاهرين، وفي فرنسا قدّم عرض «لا شيء» عن نص يوجين يونسكو «لعبة القتل»، بالاشتراك مع الأخوين ملص وثلاثة فنانين فرنسيين، العرض الذي تناول الثورة، وانتقل من مرسيليا (فرنسا)، إلى بروكسل( بلجيكا)، فمهرجان «أفنيون». وعلى الرغم من هذا الرصيد الفني، يعتبر نوار أن تجربته المسرحية الفعلية، بدأت مع عرض «شكسبير في الزعتري»، فقبل ذلك كان يتعلم المسرح، ويقول: مخيم الزعتري مكان ساحر، أنا مغرم به، متيم بأطفاله، قضيت معهم أربعة أشهر، هي من أهم فترات حياتي، واعتبر «خيمة شكسبير» أول مساحة من الحرية، فيها فهمت معنى المسرح، واكتشفت كم هو وسيلة ناجحة لإنقاذ الطفولة، التي جرحتها الحرب، وسلبتها كل مقومات الحياة الطبيعية.
كنا ثلاثة مشرفين، أنا وعلاء حوراني وصبحي حليمة، وحين جاءنا الأطفال إلى الخيمة، كانوا يعانون من أزمات نفسية حادة، وبعضهم كان من انصاف الموتورين وأنصاف المجرمين، بحيث بات التحدي بالنسبة لي، ليس أن أصنع عرضا مسرحيا، بل أن امتص شراستهم، وأن أعلمهم كيف يلتزمون بالبروفات، ويحترمون زملاءهم على الخشبة، كانت المسألة تربوية قبل أي شيء، وكنت ألحظ كيف يتطورون، ويستعيدون طفولتهم مع كل يوم، ويعون أن في الحياة امورا غير القتل والحواجز والتشبيح، ويدركون قيمة الفن. صار الأطفال يتدربون، ويرسمون، ويرقصون، وأصبح عندي كورال من مئة طفل، كانوا يتولون عمل المؤثرات الصوتية والموسيقى والغناء، أعدنا إنتاج النفايات لصنع الاكسسوارات والسيوف، أقمنا دورة رسم، وأنجز الأطفال لوحة بطول 535 مترا، عُرضت في واشنطن ونيويورك، وسوف تنتقل إلى بعض العواصم الأوروبية.
عرض «روميو وجوليت» الحالي، يختلف عن سابقه بشكل جذري، من حيث أسلوب العمل، وعدد الممثلين، وأماكن البروفات، ففي العرض الجديد نصف الممثلين من الأطفال اللاجئين في عمان، ونصفهم الآخر محاصر في سوريا، والمخرج يستخدم السكايب كوسيلة اتصال بين الطرفين، وحين سألته كيف خطرت له الفكرة، وكيف قام بتنفيذها؟ قال: كل المنظمات الدولية، لم تستطع كسر الحصار عن المناطق المنكوبة، لكن أطفال سوريا يكسرونه عن طريق المسرح. لم نستطع إدخال الخبز ولا الدواء، ولا أي شيء من مقومات الحياة، لكنا أدخلنا الفن والحب والأمل.
لدي خمسة ممثلين في سوريا، وخمسة في الأردن، وأثناء البروفات كنت أضع النص أمامي، وافتح الكاميرا، وألعب دور شخصيات عمان لتدريب المحاصرين عبر السكايب، ثم انتقل إلى اللاجئين، وألعب أمامهم دور المحاصرين، صنعنا السيوف من العكاكيز المعطوبة في دار «سوريات عبر الحدود»، وحين سمع الفنان الفرنسي جان إيف بيزبان بفكرة «روميو وجوليت»، واطلع على بعض البروفات، تبرع بتصميم سينغرافيا رائعة له، من الكرتون والخشب، أما حازم نهار فقد تكفل بالتمويل.
ويضيف: العرض نظامي، وسيتابع المتفرج الشخصيات والأحداث بالتناوب ما بين خشبة العرض وشاشة السكايب. سحبت الحالة العنّفية من النص، ورحت باتجاه جرعة عالية من الحب، هناك ثلاث علاقات عاطفية تمشي بالتوازي مع بعضها بعضا، روميو وجولييت، خادم روميو وخادمة جولييت، وراو في عمان وراوية في سوريا، لتكثيف الأحداث، وينتهي العرض بان تكسر جولييت زجاجة المنوّم، وتطلب من روميو أن لا يشرب السم، بعد أن تقول، يكفينا قتل ودماء وموت.