على طول الطريق من مخيم اليرموك الى أطراف حي الحجر الأسود في جنوب دمشق، يطغى مشهد الدمار على أبنية استحالت أكوام ركام يتنقل بينها جنود سوريون منهكون ولكن مبتهجون، بعد حسم معركة مضنية يأملون أن تعيد الامن الى دمشق.
بعد وقت قصير على إعلان الجيش سيطرته على المنطقة، كانت أعمدة الدخان لا تزال تتصاعد من آخر الأحياء التي تحصن فيها الجهاديون وخاضوا آخر المواجهات ضد الجيش، بينما ألسنة النيران لا تزال مشتعلة داخل عدد من السيارات والأبنية، بحسب ما شاهد مراسلون لوكالة فرانس برس.
وشاهد فريق فرانس برس خلال جولة نظمتها وزارة الاعلام في المخيم الابنية والمنازل المدمرة الشاهدة على ضراوة المعارك التي شهدها المخيم على مدى سنوات الحرب، وخصوصا منذ سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية عليه، والتي ترافقت مع قصف جوي ومدفعي عنيف.
وحالت أكوام الركام وسط بعض الشوارع دون دخول السيارات أو عبور المشاة اليها.
وبدت ملامح التعب والارهاق على وجوه عدد من العسكريين الموجودين في المكان، وقد افترشوا الأرض وغطى الغبار ثيابهم ووجوههم، بينما سالت الدماء من يد أحدهم.
لكن على الرغم من التعب، كان آخرون يطلقون النار في الهواء احتفاء بالنصر، وغيرهم يرفع شارة النصر.
في شارع الثلاثين الذي يلفه الدمار، قال الملازم في الجيش السوري محسن اسماعيل (22 عاماً) لوكالة فرانس برس “هذه آخر معركة في الشام. أشعر أنني فرح للغاية”.
وأضاف الشاب الذي انضم الى الجيش قبل عام “ستعود الشام كما كانت. سننسى أيام القذائف والدم ان شاء الله، النصر سينسينا كل شيء”.
وأعلن الجيش السوري الاثنين بعد شهر من المعارك الضارية سيطرته بالكامل على أحياء في جنوب دمشق كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية منذ العام 2015. وبات يسيطر على كامل العاصمة وضواحيها للمرة الاولى منذ 2012.
وافاد المرصد السوري لحقوق الانسان عن عملية إجلاء من المخيم شملت مقاتلي التنظيم وعائلاتهم، في عملية لم يأت الجيش أو الاعلام الرسمي على ذكرها. لكن مصدراً عسكرياً تحدث قبل ظهر الاثنين، وفق ما نقلت وكالة الانباء السورية الرسمية “سانا”، عن اتفاق لوقف اطلاق نار “مؤقت” جرى خلاله “إخراج النساء والأطفال والشيوخ من منطقة الحجر الأسود” المحاذية لمخيم اليرموك.
– “يفجر نفسه”-
ويروي اسماعيل ان الجيش خاض على مدى اربعة أسابيع معارك عنيفة ضد تنظيم الدولة الاسلامية الذي اعتمد على القنص والانتحاريين.
ويضيف “كنا أمس (الأحد) بصدد اقتحام مبنى وقضى خمسة شهداء معي جراء القنص”، مضيفاً “اختلفت المعركة هنا عن بقية المناطق، لانهم اعتمدوا على الانتحاريين. اذا حوصر المسلح كان يفجر نفسه فوراً ولا يستسلم”.
ويشير الى ان مقاتلي التنظيم استحدثوا كذلك ثغرات في الجدران تنقلوا من خلالها الى الأنفاق والخنادق ومكنتهم من رصد عناصر الجيش.
ولم يتوقع اسماعيل أن يخرج حياً من مخيم اليرموك حيث يقاتل منذ نحو شهر ونصف. ويقول “عندما جئت الى هنا من جوبر (حي آخر في دمشق شهد معارك ضارية) ورأيت هذه المشاهد والانتحاريين والقنص، قلت لن نخرج الا شهداء”.
ويستعيد الشاب الذي يرتدي سروالاً مرقطاُ وجعبة عسكرية لحظات نجا فيها من الموت بأعجوبة. “كنت أقف مع نقيب بعد سيطرتنا على كتلة ابنية جديدة، وإذا به يصاب برصاص القنص (..) وحاصرني القناص خلف عامود ولم يعد بإمكاني التحرك”.
ويضيف “بقيت مجمداً لساعة في مكاني غير قادر على التقدم الى الامام أو الرجوع للخلف، الى أن تمكن الشباب من سحبي. شعرت حينها أنها آخر لحظة في عمري”.
– “تنام بأمان” –
ويقول الجندي وسام (22 عاماً) من جهته إن صعوبة المعركة ارتبطت بالدرجة الأولى “بضيق الطرق.. وقرب الأبنية من بعضها”، بالاضافة الى الانتشار الكثيف للقناصين.
لكنه يستدرك “المهم اليوم أنه بات بإمكان الناس أن يناموا بأمان بعدما ذهب الارهاب من هنا”.
وخلا حيا اليرموك والحجر الاسود من أي حركة للمدنيين في مقابل انتشار كثيف للجنود ومرور آليات عسكرية وسيارات إسعاف.
وحاول مدنيون قدموا بسياراتهم الدخول الى المخيم، لكن الجيش لم يسمح لهم بذلك حفاظاً على سلامتهم.
وكان مخيم اليرموك يؤوي قبل اندلاع المعارك منذ 19 نيسان/أبريل نحو ستة آلاف مدني، وفق وكالة الامم المتحدة لتشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، قبل أن يفر معظمهم مع اشتداد حدة المواجهات.
المصدر: فرانس برس