دمشق – يحبس السوريون في مناطق سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد أنفاسهم مع دنو سيف قيصر الأميركي والذي يتوقع أن يكون له تأثير مدو لاسيما على الوضعين الاقتصادي والمالي المتدهورين بطبعهما في سوريا، جراء الصراع المندلع في هذا البلد منذ العام 2011، وما خلفه من دمار في البنية التحتية، واستشراء للفساد وسوء التسيير.
ويقول معارضون وموالون على حد السواء إن هذا القانون الذي تنسب تسميته لأحد المنشقين عن الشرطة العسكرية السورية كان سرب الآلاف من صور التعذيب في معتقلات وسجون النظام، ما بعده لن يكون كما قبله لجهة حزمة العقوبات الواسعة التي يضمها والتي لا تستهدف فقط النظام بل كل طرف يقدم الدعم العسكري واللوجستي والاقتصادي له.
ويطرح القانون الذي تمت المصادقة عليه من قبل الكونغرس بغرفتيه ووقعه الرئيس دونالد ترامب في ديسمبر الماضي ومن المنتظر أن يدخل حيز التطبيق خلال ساعات، أسئلة تبدو مشروعة لجهة ما إذا كان هذا القانون يستهدف فعلا إجبار الرئيس السوري بشار الأسد على تغيير سياسته والقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات بناء على القرارات الأممية لاسيما القرار رقم 2254 أم أن الهدف منه هو تأليب البيئة الشعبية الحاضنة للإطاحة به؟ ومنذ بداية الحديث عن قانون قيصر يشهد سعر الليرة السورية تهاويا دراماتيكيا أمام الدولار الأميركي ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار المواد الأساسية فيما انهارت المقدرة الشرائية للمواطن، وأثار هذا الوضع تململا في الأوساط الشعبية المعروف عنها ولاؤها للنظام على غرار محافظة السويداء التي تشهد منذ أكثر من أسبوع مظاهرات احتجاجية.
ويستبعد كثيرون أن ينجح الأسد في الإفلات من قبضة “قيصر” لاسيما في ظل عجز حلفائه المعنيين هم أنفسهم بالقانون عن تقديم أي دعم له، وبالتالي فإنه سيكون أمام خيارين لا ثالث لهما وهما التنازل أو إسقاطه.
ويقول المعارض السوري أيمن عبدالنور لـ”العرب” إن العقوبات التي يتضمنها قانون قيصر قوية وتشمل قطاعات كثيرة، مشيرا إلى أن هذه المرة الأولى التي ستشمل فيها العقوبات ميليشيات عراقية لم تكن مدرجة سابقا على اللائحة السوداء، حيث كانت وزارة الدفاع (البنتاغون) تضع فيتو على هذا الأمر لتعاون تلك الميليشيات مع القوات الأميركية داخل العراق في الحرب على تنظيم داعش. ويلفت عبدالنور إلى أن مروحة العقوبات الأميركية ضمن قانون قيصر أو “سيزر” تستهدف أهم القطاعات السورية، فإلى جانب المعدات الدفاعية، ستشمل قطاع إعادة الإعمار وفي ذلك رسالة إلى روسيا التي كانت تطمح لتعويض خسائرها من تدخلها في هذا الصراع عبر حصول شركاتها على الحصة الأكبر من عملية إعادة الإعمار في سوريا والمقدرة بمئات المليارات من الدولارات “وهذا كله قطع الأمل منه”. ويستهدف القانون أيضا قطاع الطاقة (من نفط وغاز وكهرباء) بما سيحول دون قدرة الشركات الصينية والروسية والإيرانية التي أبرمت عقودا مع الحكومة السورية على الاستثمار هناك.
هذا إضافة إلى وضع قائمة كبيرة من رجال الأعمال المرتبطين بالنظام، سواء من العرب أو من الأجانب (إيرانيين وروس وغيرهم)، ضمن قائمة العقوبات ما سيضطرهم إلى إعادة النظر في تعاونهم معه، وهذا سينعكس بالضرورة على تكاليف الاستيراد إلى سوريا وتأمينها، فضلا عن انخفاض الليرة السورية وارتفاع قيمة البضائع وقيمة الشراء وسيشكل كل ذلك عاملا ضاغطا على جميع السوريين لاسيما الموجودين في مناطق النظام. ويقول أيمن عبدالنور إن النظام بيده إيقاف تنفيذ قانون قيصر وإنقاذ شعبه الذي بلغت نسبة الفقرة في صفوفه نحو 83 في المئة، من خلال إعلان موافقته على تنفيذ القرارات الأممية التي سبق أن وافقت عليها القوتان الحليفتان له أي روسيا والصين.
وتترقب المعارضة السورية بارتياح بداية تفعيل قانون قيصر حيث أنها ترى أنه ضرورة ملحة لإجبار النظام على تقديم تنازلات والجلوس إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل يضمن انتقالا سياسيا.
ويشكل قانون قيصر فرصة حقيقية لقوى المعارضة التي شهدت في السنوات الخيرة تراجعا في دورها لاعتبارات عدة من بينها الخسائر المتتالية التي تكبدتها الفصائل المسلحة في الداخل السوري، فضلا عن حالة التشرذم والخلافات والولاءات المتضادة لتلك القوى وهو ما انعكس سلبا على أدائها.
وأعرب المعارض أيمن عبدالنور عن أمله “في أن تستغل المعارضة السياسية بمؤسساتها التنظيمية، المتمثلة في الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة والهيئة العليا للمفاوضات والأحزاب القائمة، الفرصة وتنظم نفسها بشكل أكبر وتضم فئات أخرى غير ممثلة حاليا وشخصيات وطنية تحظى بثقة واسعة في صفوف السوريين”.
ودعا عبدالنور المعارضة إلى “الابتعاد عن الشخصنة واللهث وراء المناصب، والاستزلام تجاه الدول الراعية والدول الإقليمية وأن ترتقي بخطابها السياسي” فذلك مفتاح نجاحها.