دمشق ـ «القدس العربي» : تنازل الملياردير ورجل الأعمال الأول في سوريا، رامي مخلوف عن أملاكه وأرصدته في البنوك السورية، لصالح مؤسسة خيرية يملكها الأخير، كخطوة استباقية في الصراع الذي يخوضه ضده بشار الأسد، منذ قرابة السنة وطفا على السطح في الآونة الأخيرة، ونية مكشوفة، يرمي من خلالها مخلوف إلى كسب موقف أخلاقي، وتعميق الانقسام في بنية الحاضنة الأساسية داخل الطائفة العلوية.
خطوة استباقية
خسارة كبيرة بعد معركة إعلامية خاضها مخلوف عبر ثلاثة تسجيلات مرئية ومجموعة تدوينات، انتهت بموقف ربطه مراقبون بما هو أبعد من التحدي والالتفاف على قرار المصادرة الحكومي، إذ يلعب رامي مخلوف مع الأسد لعبة الحاضن الاجتماعي وهي حسب خبراء لـ»القدس العربي» «لعب في الزمن الأساسي للعب وليس في الوقت الضائع» حيث الضغط الاقتصادي هائل على المجتمع السوري. حيث أعلن مخلوف في تدوينة جديد له على صفحته الشخصية عبر موقع «فيسبوك» الخميس، تنازله «عن ملكيتنا في البنوك وشركات التأمين» مبيناً أنه بدأ «بمعاملة نقل ملكية كل هذه الأسهم إلى راماك للمشاريع التنموية والإنسانية والتي هي كما تعلمون وقف لا يُورّث وبالتالي أي بيع أو ربح لهذه الأسهم سيعود إلى أعمال الخير بالكامل التي تخدم كل ذوي شهيد روت دماؤه أرض هذا الوطن الحبيب وكل جريح عانى الكثير وكل محتاج قست عليه الحياة وسيتم عرض كل الوثائق بعد إتمام المعاملة». وكشف عن صعوبة تنازله «عن هذه الأسهم» مبيناً أن «نزع ملكية الشخص أمرٌ صعبٌ» وتابع «فصحة على قلبكم وإن شاء الله تكون عائدات هذه الأسهم رافدة لكل محتاج».
أعلن عن تنازله عن ملكيته في البنوك وشركات التأمين «لصالح المشاريع التنموية والإنسانية»
الباحث السياسي «عباس شريفة» اعتبر أن رامي مخلوف لم يستطع أن يكسب المعركة التي خاضها عبر صفحته الشخصية، وفشل في إيجاد تيار متعاطف معه من حاضنته ضمن الطائفة العلوية المستفيدة من مؤسساته لمواجهة ضغوطات النظام، حيث كان يعول على أسر 6000 موظف وعدد من أسر ممن «شهداء الجيش السوري».
واعتبر المتحدث لـ»القدس العربي» أن التنازل جاء كخطوة استباقية على النظام، بجعل الأسهم ملكية وقفية لا يجوز التصرف بها ولسان حاله يقول «أقوم بحماية هذه الأسهم والأموال من سطو الجماعات التي اتهمها باللصوصية والسرقة والتي تريد الاستيلاء على شركاتي باسم الحكومة والنظام». وما جعل من حملة مخلوف الإعلامية حملة فاشلة، لم تثمر إلا بكشف أوراقه وأوراق النظام، برأي «شريفة» هو أن غالب المتفاعلين مع حملته الدعائية كانوا يرون في الخلاف «خلافاً بين شبكة لصوص واحدة مختلفة على القسمة، والنظام بدوره استطاع مواجهة دعاية رامي من خلال الكشف عن حجم استثماراته وشركاته وأمواله، وهو ما دعا بمخلوف إلى المهادنة والاستسلام لقرارات النظام، والظهور بمظهر المتبرع من تلقاء نفسه كنوع من الموقف الأخلاقي وليس النظام هو من أجبره على التنازل».
واعتقد الباحث أن رامي فضّل في النهاية البقاء ضمن منظومة النظام الاقتصادية ولو بنفوذ وثروة أقل على أن يفقد كل شيء وينتهي به المصير إلى القتل أو السجن. والمعطيات لا تشير بطيعة الحال إلى أن بشار الأسد سينهي حملته على رامي مخلوف، نظراً لما يجري الحديث عنه مؤخراً، حول أصول مالية وشبكة استثمار وتبييض أموال في الخارج يريد النظام الاستيلاء عليها وكشف حجم هذه الثروة التي جناها مخلوف من وضعه الاستثنائي والعائلي المقرب من النظام.
الباحث لدى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، محمد منير الفقير اعتقد أن الصراع تعقد أكثر من السابق، لكنه في الوقت ذاته لفت خلال حديثه مع «القدس العربي» إلى أن التعقيد ليس لحدة الخلاف، إنما لجهة الانقسام الذي يعمقه في البيئة الحاضنة الأساسية للنظام وتحديداً داخل الطائفة العلوية. ونوه الفقير إلى أن معظم المستفيدين مما يسميها رامي مخلوف الأعمال الخيرية هم من الطائفة العلوية وهذا كان قبل الثورة وبعدها، عبر جمعية البستان التي انتزعت من مخلوف أو راماك، لافتاً إلى ان التحدي بدأ منذ ظهور رامي في أول فيديو وترسخ في الفيديو الثالث عندما توقف عن استجداء بشار الأسد وأطلق تهديدات مبطنة بالطلاسم الدينية التي نشرها على صفحته.
لعبة الحاضن الاجتماعي
الإجراء الذي نحن بصدده الآن هو أبعد من التحدي، وفقاً لما يقول المتحدث لـ»القدس العربي»، فمخلوف يلعب الآن مع الأسد لعبة الحاضن الاجتماعي وهي عملية لعب في الزمن الأساسي للعب حيث الضغط الاقتصادي الهائل على المجتمع السوري بما فيه الحاضنة والطائفة العلوية تحديداً، والحرب في مراحلها الأخيرة وأسئلة ما بعد الحرب يرفع صوتها العلويون الآن في وجه النظام أكثر من أي وقت مضى، وقانون قيصر على الأبواب والكل في ترقب. وهذا برأي المتحدث أبعد من الالتفاف على قرار المصادرة الحكومي، إذ ان مخلوف تنازل اليوم عن ساحة الدولة وأدوارها إلى ساحة صراعات ما دون الدولة، أي صراعات الطائفة وعشائر الطائفة وطبقات الطائفة في صراع بين الأسد وجزء من حاضنته التي وقفت معه في الحرب بدافع تخويفها من ثورة «السنة» حيث التف الكثير من العلويين حول الأسد على اختلاف توجهاتهم ومواقفهم السياسية وعشائرهم وطبقاتهم وانتظروا تحقيق وعود بالأمن والسلطة والوظائف والمستقبل الأفضل بعد الحرب فلم يجنوا سوى الفقد والفقر.
النتيجة التي خلص اليها الباحث السياسي محمد منير الفقير هي أن الصراع بات من جانب آخر، أي أنه أصبح بين عشيرة الحدادين التي ينتمي إليها آل مخلوف وجزء مهم من المرشديين الذين تحالفوا معهم في هذه القضية من جهة، وبين الكلبيين العشيرة الأقل حجماً ونفوذاً بين عشائر العلويين والتي ينتمي إليها الأسد (أو يدعي جده ذلك) من جهة أخرى. وهو صراع طبقي بين عائلة مخلوف الأعلى شأناً تاريخياً ومن يوازيها في ذلك وبين آل الأسد، هو أيضاً صراع بين جزء من البرجوازية العلوية الناشئة في عهد الأسد الأب والمتجذرة في عهد الأسد الابن وبين الابن نفسه وجزء من هذه البرجوازية وحلفائها من البرجوازية السنية بدعوى أن الأسد يريد انتزاع «جنى عمر» الطائفة (على حد تعبير رامي) وإعادته للسنة أقارب أسماء الأخرس.
وذهب الباحث لدى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بالاعتقاد إلى أننا أصبحنا الآن في مرحلة الاصطفاف داخل الحامل الاجتماعي للنظام وأن جهود الوساطة بين الطرفين انتهت وربما بلغت الأمور نقطة اللاعودة، وهذا ما سوف تبينه الأيام القادمة الأصعب بالنسبة للنظام مع دخول قانون قيصر حيز التنفيذ الفعلي، وفشل جهود النظام في الاستثمار في أزمة كورونا لرفع العقوبات أو جزء منها عنه.
نقلا عن القدس العربي