يتأبط ليس شرا بكيسه بل بقايا حبات البطاطا التي تركها المزارعون خلفهم في وادٍ ذي إلفة لخطوات الباحثين عن طعام يسدّ رمق أطفالهم، في أراضٍ وطئها منذ عقد من الحرب، ترك أهله على حوض الفرات ليتنقل بين قرى كانت قراهم حول حلب ثم يترك البلد لغير رجعة إلى الجارة تركيا.
ما زال في عينيه وجدُ:
يقول قاسم، أتقنت اللغة العرببة على مدرجات جامعة حلب، حلقت بشعر “أبي النواس”، وطفت مع المعري جنان اللغات وجمر اللغة في رسائل لنفسي كانت حلم طفولتي، ذلك الوجد الذي ملأ عيني، بأن أكون ذاتي، لا أنقش في ملامحي مرايا الآخرين، أن أعيد ترتيب الحقائق في حروف والأحداث في قصص.
كان همي أن أهرب من الحرب والظلم والتجنيد الإجباري في سوريا، تركت أهلي بعدما مهروا شهادتي الجامعية بعرق تعبهم، فلا بدّ من تنشيف عرقهم ببعض ما أنتج في تركيا، إلا أنني وجدت العمل الذي أحلم به.
ثقافة تطعمنا خبزا:
نعم، كقائد جيش يحمل انتصاراته بعربة خشبية مقصبة يجرها حصانان قلمي وشغفي، فرحت بعمل في مركز ثقافي عربي في تركيا، هذا ما كان صدى حلمي أصبح حقيقة يومية أعيشها، أعمل في حقول الثقافة وأجني حلاوتها وخبزها وأترك أثرا لمن بعدي، لست أشهر كانت كساعة جميلة يقضيها فلاح بشرب كأس شاي بفيء كتف شجرة الجوز وقت استراحة الظهيرة، إلا أنها مرت سريعة كتلك النسمة الصيفية.
مازال للحلم أضغاثه:
ويكمل قاسم بعينين غائرتين في عظام وجهه وكتفين هزيلتين كتعليل مسارح الهزيمة.
انقطع التمويل عن المركز الثقافي، ولكن تابعت وقلت سأعمل لحين أمل، هذا حلمي وأكلت من تنور الثقافة خبزا، لن أهدم ذلك التنور ولو أمحلت حنطة الحقل، مل فلاحو المركز من شهور الجدب وقلة الغيث، وبعضهم ترك ليطعم أطفاله وبحث عن حقول أخرى، حملت بعض معاول من تركوا، وصبّرت أهلي بحفنة أمل قريب بدل من حفنة طحين تعجن.
كلمات ليست كالكلمات:
فوق تخوم الأرض التي حمل منها قاسم حبات البطاطا، يتابع قاسم بضحكة ساخرة، لم أوفق، على كل حال لم أتمرن كما يجب بعد على تعفير البطاطا، جني ماتركه أصحاب الأرض من ثمار سقطت أو لا تباع_ رغم أني عشت طول حياتي أعفّر لغتي ومصروفي.
قال لي،نعم لم أكن مجبرا على العمل مجانا.
قلت بالتأكيد،
فقال، هذا رأي ناصح أو عابر سبيل، ولكنها كلمات ليست كالكلمات حين تصدر عن المؤسسة التي أفنيت نفسك لتبقى كما هي.
عادل الأحمد/ قصة خبرية