من تابع الانتخاب الرئاسي اللبناني على القنوات السورية، قد لا يظن أنّ ميشال عون (انتخبه مجلس النواب اللبناني في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي) مسيحي أولاً، ولا يظنه لبنانياً حتى، بل تحوّل عون، على شاشات هذا الإعلام، إلى رجل إيراني ـ سوري، يحتار بين هويّتيْه.
لا يُصور النظام السوري إعلامياً لبنان على أنه دولة مستقلة، بل يجره إلى تبعية حلف بات وهمياً. حلف الممانعة الذي فقد كل مصداقية تنفيذية له على الأرض، وفقد أي حقيقة سياسية لوجوده. لا فرق لدى النظام السوري من العمل على تيارٍ من الوهم، هذا يعنيه أمام مواليه الأشد تصديقاً لمرويات القنوات السورية الرسمية.
لم يتردد التلفزيون السوري في نقل كلمات المباركة لرئيس النظام السوري بشار الأسد شخصياً بانتخاب عون، بوصفه نصراً لسورية، ولإيران من خلفها. هنا المحللون اللبنانيون تمردوا علىذاتهم، وعلى الاتفاقات البينية بين الأحزاب اللبنانية والتي يعرفونها جيداً، واختصروا كل شيء بموافقة حزب الله والأسد. لزوم الاستعراض الإيراني السوري واجبة، من حيث أن التدخل الروسي سحب أوراق إيران من المنطقة، ويُريد النظام إبراز قدراته وإيران في الشأن اللبناني. هذا لا يعني أن النظام لم يفرض أجندة يُريدها في لبنان، إلا أن مقدار التسويق المبالغ به لا يملك هوية تُشكل معنى للمشاهد. فالشخصية المسيحية الإشكالية تظهر بوصفها شيعية تتبع إيران لا شأناً مسيحياً أو وطنياً لبنانياً، ولا يُذكر حزب عون (التيار الوطني الحر) بل حزب الله فقط بوصفه مرجعاً سياسياً لعون.
لا يظهر أي دور إقليمي آخر له شأن في وصول عون. فرغم موافقة المملكة العربية السعودية على ترشيح عون، يقول التلفزيون السوري “رُغماً عن أنف السعودية وضع عون في الرئاسة”. ولم يتردد محلل سوري في القول: “إن نصر الله هو الذي وضع عون على الكُرسي”. هذه الإشهارية تتناقض في تحليل آخر، فالنظام يلجأ إلى مصطلح آخر، بعيداً عن مصطلحات الوصاية الإيرانية التبشيرية في المنطقة، ويبشرون ويهللون لديمقراطية لبنان، وديمقراطية الحياة النيابية.
هنا تبدو الديمقراطية ضيفاً ثقيلاً للمتحدثين، فبعد اللغة العنترية لقوة الأسد وإيران في لبنان، ينحو التحليل نحو قوة الديمقراطية اللبنانية، وعظمة صندوق الانتخاب فيه ودوره الحقيقي. لبوس الديمقراطية اللبنانية شكل رائج لتبرير صناديق نظام الأسد، فلامعنى لجعل إيران والأسد أبطالاً في لبنان فقط، وإغفال أي دور للعملية التمثيلية للانتخاب الرئاسي اللبناني. الاضطرار إلى تثبت الاختيار الديمقراطي لعون واجبٌ للنظام أيضاً، من كونه مبرراً لصناديق محتملة في الداخل السوري.
فوضى الأدوات التي يملكها الإعلام السوري تتكرر دوماً، والمتلقي يبدو حائراً، لكن الموالين للنظام يكتفون بهذا القدر من الحيرة، فما بين الديمقراطية واختيار الأسد فارق صفري، فالأسد مثالي دوماً و”يتشملُ” الديمقراطية والعنترية في السياسة في آن معاً.
لم يتوقف الإعلام السوري لحد اليوم عن نقل إعلانات التأييد لعون الآتية من إيران، بدءاً بالشخصيات السياسية والرسمية، انتهاء بخطباء الجوامع الإيرانيين. هذا الثقل لوجود عون مضاعف، كردٍ على الهوة التي حفرتها روسيا لها في المنطقة.
حفلة الإعلام السوري مستمرة، دون أن يكون عون معنياً كرجل سياسة أو صاحب حزب، هو مجرد أداة بلا وزن تترنح أمام محللين وإعلام لا يُعنى إلا في أن يكون الأسد وإيران موجودين ولو على حساب دولة صغيرة كلبنان.
العربي الجديد