دمشق – “القدس العربي”:
كإحدى مظاهر الفوضى الأمنية وبيئة عدم الاستقرار التي تعاني منها مناطق الشمال السوري، اندلعت الجمعة اشتباكات عنيفة في عفرين بريف حلب، بين مكونات الجيش الوطني السوري، وذلك بعد أيام من مواجهات مماثلة في مدينة اعزاز شمال حلب.
وقالت مصادر محلية إن قتلى وجرحى وقعوا جراء اقتتال عنيف بين “فرقة الحمزات” ومسلحين من مهجري الغوطة الشرقية إلى مدينة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي.
وبحسب مصادر متطابقة، فان الاقتتال الذي تشهده مدينة عفرين بين مسلحين من “فرقة الحمزات” من جهة، ومسلحين مهجرين من الغوطة الشرقية من جهة أخرى، جاء في أعقاب سطو مجموعة عسكرية تابعة لفرقة الحمزات على محل تجاري، ينحدر صاحبه من منطقة عربين في الغوطة الشرقية.
المجموعة المسلحة حاولت سلب بعض المواد الغذائية دون دفع ثمنها، وبعد رفض البائع قاموا باستهداف محله بقنبلة، ليتطور الأمر ويتحول إلى اشتباكات بالأسلحة
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن المجموعة المسلحة حاولت سلب بعض المواد الغذائية دون دفع ثمنها، وبعد رفض البائع قاموا باستهداف محله بقنبلة، ليتطور الأمر ويتحول إلى اشتباكات بالأسلحة الرشاشة، بين أبناء الغوطة الشرقية وبمؤازرة بعض عناصر حركة أحرار الشام الإسلامية، ضد عناصر فرقة الحمزات، وذلك قرب شارع راجو بمدينة عفرين.
وأسفر الاقتتال عن وقوع 8 جرحى على الأقل، بالإضافة لمقتل مسلح من الغوطة الشرقية، وطفل توفي بعد تعرضه لطلق نار عشوائي جراء الاشتباكات، فيما تشهد مدينة عفرين حالياً استنفاراً وتحشداً من قبل الطرفين، وسط استياء شعبي.
وبصرف النظر عن الأسباب المباشرة التي تندلع على إثرها المواجهات، هناك دوافع تحمل تفسيراً مشتركاً لها، كونها إحدى مظاهر الفوضى الأمنية، تحدث عنها الخبير السياسي “عبد الوهاب عاصي”، وأبرزها بحسب المتحدث لـ”القدس العربي” غياب المساءلة والمحاسبة بسبب عدم رغبة وقدرة القادة العسكريين على حوكمة الفصائل المسلحة، ولعدم وجود دور للمؤسسة القضائية، وتعدد المرجعيات القضائية لارتباطها بالفصائل المسلّحة.
كما أن ضعف جهازي الأمن والشرطة العسكرية له تأثير واضح، وذلك نتيجة شحّ الموارد من معدات وأموال وتدريبات وغيرها، وغياب الحوكمة والإستراتيجية المشتركة لمواجهة التحديات الأمنية التي تعاني منها مناطق حلب، مما يخلق في كثير من الأحيان تنازعاً على الاختصاص بين الفصائل العسكرية وجهاز الأمن العام.
وتحدث “عاصي” عن عدم فاعلية الجيش الوطني كمؤسسة جامعة للقوى العسكرية، حيث ما زالت الفصائلية هي المُسيطرة، وبالتالي فإن عدم وجود قوة عسكرية نافذة وموحدة القرار سيؤدي إلى استمرار حالات الاقتتال، وإلى عدم وجود إستراتيجية واضحة لهذه الفصائل حول مهامها الحقيقية، حيث يتوجب عليها إبعاد المقار والثكنات عن التجمعات السكنية ومنع تجول العسكريين بأسلحتهم ضمن المدن والبلدات والقرى ومنع إطلاق النار دون مبرر وإلغاء جميع الحواجز العسكرية وحصرها في مناطق التماس. إضافة إلى التنافس على الموارد، ما يفسّر رغبة الفصائل دائماً بتوسيع مناطق نفوذها داخلياً وعلى خطوط التماس للاستفادة من الحركة التجارية مع بقية مناطق الصراع، وعدم وجود آلية إجرائية تُنظّم كيفية حصول الأفراد على السلاح، سواء كان الفرد مدنياً أم عسكرياً، بالإضافة لتحول عملية بيع السلاح إلى تجارة شائعة. وقد دفع غياب عنصري الأمن والأمان في ريف حلب الكثير من الأهالي إلى اقتناء السلاح تحسباً لأي خطر يهدد حياتهم.
واعتبر الخبير السياسي أن هناك أثراً واضحاً لغياب دور المجالس المحلية في ملف الأمن الاجتماعي، والذي من شأنه أن يحد من حالات تدخل الفصائل العسكرية بالمؤسسات الخدمية من طرف وأن يساعد على خلق برامج للاستقرار في ظل التنوع الاجتماعي الكبير الذي بات يشهده ريف حلب بعد نزوح عشرات آلاف العوائل إليه من شتى المحافظات السورية، وغياب الصرامة التركية مع الفصائل العسكرية في حالات الاقتتال فيما بينهم، حيث يكتفي الضباط الأتراك بالتدخل أحياناً لفض الاشتباك وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه.
هذا فضلا عن أن عدم وضوح الرؤيا التركية حول مستقبل المنطقة على كافة الأصعدة القانونية والخدمية والعسكرية والسياسية، قد شكل حالة من عدم الاستقرار الأمني، إضافة إلى غياب دور الحكومة السورية المؤقتة كسلطة تنفيذية في مناطق شمال حلب، لأسباب متعددة قد لا تحمل هي مسؤوليتها جميعاً، ما أدى لظهور حالة من فقدان السكان المحليين الثقة بالسلطات الإدارية الموجودة، وهذا الأمر بدوره ساهم في بروز مظاهر الفوضى الأمنية في ظل تعدد السلطات والمرجعيات. وربما تتحمل تركيا جزءاً من المسؤولية في هذا الجانب من حيث ضرورة دعم سيادة الحكومة السورية المؤقتة.
نتائج الفصائلية
الفصائلية لها العديد من المساوئ من ناحية تعزيز الفوضى الأمنية، لكنّها أيضاً تحمل بعداً إيجابياً وهو تعزيز الدفاعات المحليّة مثلما حصل خلال الحملة العسكرية الأخيرة.
ولكن للفصائلية مشاكل، فهي من وجهة نظر المتحدث لم تتطور إلى حالة تنظيمية متقدّمة باستثناء بعض المحاولات التي سرعان ما أخفقت لأسباب عديدة، كما أنّ الحلول المقدّمة للتخلّص من مشكلة الفصائلية غير مجدية، فالدعوة إلى التوحد والاندماج تخلق مزيداً من التنافس على الموارد وتُعزّز الاستقطاب على أسس كثيرة، والدعوة إلى المأسسة الكاملة لا تختلف كثيراً، هذا عدا عن كونها تناسب ظروف الاستقرار لا الصراع والحرب.
في الحالة السورية تحتاج الفصائلية لحلول وليدة البيئة، نتيجة ظروف عدم الاستقرار وشح الموارد وغياب الاستقلالية وغيرها من المشاكل، وذلك بحسب “عاصي”، من قبيل “العمل الجبهوي وتفعيل المحاسبة والمساءلة وفق آليات ملائمة، وهنا لا تعتبر الجبهة الوطنية للتحرير نموذجاً جبهوياً سوى بالاسم، ولم يكن جيش الفتح كذلك لأنه مجرد نموذج عسكري لم يتطور وسرعان ما دخل في حالة التنافس، والتحول نحو هذا النموذج يحتاج إلى المبادرة والاعتراف والتعريف بالقوى ووضع معايير لها دون صهرها والفصل في المهام” بما لا يخلق تنازعاً على الاختصاص.
نقلا عن القدس العربي