تناولت مجلة فورين أفّيرز الأميركية القصف المتواصل لروسياوالنظام السوري على مدينة حلب شمال سوريا، ودعت إلى ضرورة إقامة ملاذ آمن محايد منزوع السلاح لحماية المدنيين، وقالت إن تحقيق هذا الأمر يمثل آخر فرصة أمامالولايات المتحدة لفعل شيء تجاه سوريا.
فقد أشارت فورين أفّيرز -من خلال مقال تحليلي اشترك في كتابته كل من إدوارد جوزيف وجيفري ستاسي- إلى أن القوات الروسية وقوات النظام السوري تقصف حلب بلا هوادة، وأن القصف يتركز على البنية التحتية للمدينة.
وأضافت أنه ليس صحيحا أن لا خيار أمام الولايات المتحدة سوى تعليق المفاوضات مع روسيا في أعقاب انهيار اتفاقوقف إطلاق النار الأخير، بل إنه يمكن لوزير الخارجية الأميركي جون كيري إقناع الرئيس باراك أوباما بإقامة ملاذ آمن في شمال سوريا.
وأوضحت أن مرشحي الرئاسة: الديمقراطية هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب، دعوَا إلى إقامة هذه المنطقة الآمنة في سوريا، وأنه يمكن لكيري أن يمضي قدما من أجل إقامة منطقة آمنة تكون عبارة عن منطقة محايدة منزوعة السلاح.
وأضافت أن هذا النوع من المناطق المحايدة المنزوعة السلاح هو ما يتم إنشاؤه بموجب القانون الدولي الإنساني، وذلك من خلال اتفاق المتحاربين، وأنها تنشأ في المناطق التي تكون فيها العمليات العسكرية مستمرة، ولكن لا يمكن استغلالها لأغراض عسكرية، وأنها لا تحتاج لقوة عسكرية كأميركا للدفاع عنها.
وقالت إن بعض المراقبين قد يفترضون أن حكومتي روسيا وسوريا لن توافقا على إقامة هذه المنطقة المحايدة، وخاصة بعد عدم احترامهما لقوافل المساعدات الإنسانية الأممية، وبعد تكثيفهما القصف على المدنيين في حلب.
وأضافت أن هذا الافتراض أيضا ليس صحيحا بالضرورة، وذلك للأسباب التالية:
أولا: بالرغم من رد روسيا الوقح على الانتقادات الموجهة إليها في أعقاب قصفها قافلة المساعدات الإنسانية الأممية داخل سوريا، فإن القصف على حلب قد تسبب بالضرر للمصالح الروسية على المستوى الدولي.
ثانيا: لأن المنطقة المحايدة لا تشكل تهديدا لمصالح أي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو الرئيس السوري بشار الأسد. وذلك لأن المشردين من غير المقاتلين هم من سيقيم في هذه المنطقة المحايدة، ولأن هؤلاء سيغادرون المناطق التي تريد منهم روسيا والنظام السوري بالأصل مغادرتها.
ثالثا: لأن الضامن الأساسي لهذه المنطقة المحايدة لن يكون الولايات المتحدة نفسها، بل تركيا التي دافعت عن هذه المنطقة وسعت من أجلها شهورا.
وأضافت فورين أفيرز أن موسكو ودمشق تعرفان أن تركيز أنقرة ليس منصبا على الأسد، ولكن على عدم السماح للأكراد في سوريا أو تنظيم الدولة الإسلامية بالحصول على مزيد من القوة والنفوذ في البلاد.
وقالت إن من المرجح أن تقبل روسيا بإقامة هذه المنطقة المحايدة تحت إشراف من جانب تركيا، وذلك في ظل التحسن الملموس للعلاقات بين موسكو وأنقرة.
وأضافت أنه في حال رفضت روسيا الموافقة على إقامة هذه المنطقة المحايدة، فإنه يجب على كيري أن يذكر لنظيره الروسي سيرغي لافروف أن الولايات المتحدة مستعدة لإقامة منطقة آمنة شاملة، وذلك من خلال قوات تركية على الأرض وبدعم جوي من أميركا وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، لردع الهجمات الروسية والسورية.
وقالت إن روسيا ستتفحص هذا العرض الأميركي لترى إذا ما كان عبارة عن خدعة أخرى من جانب أوباما -مثل خطه الأحمر أمام الأسد بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية- أم أنه التزام حقيقي من جانب الولايات المتحدة.
واستدركت بالقول إن بوتين يعلم أنه ليس لأوباما شهية في استخدام القوة في سوريا ما عدا ضد تنظيم الدولة، وأن موسكو تعلم أيضا أن أوباما حريص على ترك سجله نظيفا في سوريا، وبالتالي فإنه قد يترك شأن المنطقة المحايدة لخليفته الرئيس الأميركي القادم.
وأضافت أن هذه التركة في سوريا من جانب أوباما لمن يخلفه تشبه إلى حد بعيد ما سبق أن تركه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب لخلفه الرئيس بيل كلينتون، المتمثل بقرار دعم التدخل الأممي في الصومال.
وأشارت إلى أن هذه المنطقة على الحدود التركية تعتبر شبه قائمة بالفعل، وذلك في ظل التحركات والوجود العسكري التركي داخل سوريا، والذي أتاح الفرصة أمام الآلاف من اللاجئين السوريين للعودة مؤخرا إلى مدنية جرابلس وإلى مناطق أخرى داخل سوريا.
وأضافت أن تركيا لا تزال تسعى منذ أسابيع لجعل الولايات المتحدة وحلفاء غربيين آخرين يقومون بتثبيت منطقة آمنة في شمالي سوريا بشكل رسمي.
لكن المناورة التركية هناك تتسم بالتعقيد، فنجاح أنقرة في إبعاد وحدات حماية الشعب الكردي إلى ما وراء نهر الفرات لم يرق لأميركا، لكون الغرب يعتمد على الأكراد بوصفهم القوة الأكثر فاعلية على الأرض في مواجهة تنظيم الدولة.
لكن الآن -تضيف فورين أفيرز- وبعد أن شعرت تركيا بأنها نجحت في دق إسفين في الجهود الكردية للسيطرة على الأراضي الممتدة من غرب نهر الفرات إلى شرقه، فإنها بدأت تركز على محاربة تنظيم الدولة، وهو أمر يتوافق مع ما تطمح إليه واشنطن.
الجزيرة