يشغل التخيل حيَزا كبيرا في نشاط الأطفال العقلي منذ السنوات الأولى من أعمارهم ، وهم يتخيلون وقائع وحوادث ، ويقوم كثير من أفكارهم وألعابهم وآمالهم على الخيال.
يكون الطفل بين الثالثة والخامسة ذا خيال حاد، ولكن ذلك الخيال محدود في إطار البيئة الضيقة التي يحيا فيها، فهو يتصور العصا حصاناً، ويمسك بها ويضعها بين ساقيه، ويجري بسرعة ، متخيلاً نفسه فارساً من الفرسان، ويتصور الدمية كائناً حياً، فيكلمها برفق ونعومة، أو يغضب منها فيطلق عليها سهام السباب والشتيمة.
ويتهم الأطفال، في هذه المرحلة، بالكذب حين يميلون إلى اختلاف مواقف خيالية لاوجود لها في الواقع، وهذا الكذب ليس من قبيل كذبنا نحن الكبار لأننا نزوق الحقائق ونقلب المفاهيم، ونجعل من سافل الدنيا عاليها، عن عمد وسبق تخطيط وإصرار، تحقيقاً لمصالح ذاتية وأنانية، أما الأطفال فإنهم مدفوعون إلى ذلك استمتاعاً بحياتهم، وتعبيراً عن انفعالاتهم وقدراتهم العقلية، وإشباعاً لرغباتهم المكبوتة، من خلال تخيل عالم آخر غير الذي يفرضه عليهم الكبار.
ويؤدي خيال الطفل في هذه المرحلة، وظيفة مهمة في نموه لأنه يشكل له طريقة لتنظيم الكثير من نشاطاته، وأساساً لممارسة مهاراته الحركية، وتنشيط فعالياته الأخرى.
أما الأطفال بين السادسة والثامنة أو التاسعة فإن خيالاتهم تكون قد تجاوزت النطاق المحدود بالبيئة، وطبعت بطابع إبداعي أو تركيبي موجه.. ويسمى هذا الدور من أدوار النمو الخيالي دور الخيال المنطلق، حيث يتشوقون فيه إلى الصور الذهنية غير المعقدة التي ترسم لها أو ترسمها مخيلاتهم، لذا فهم يميلون إلى القصص والمسرحيات والمقالات والقصائد ذات المضامين التي تشبع هذا اللون من التخيل، والتي تنقلهم إلى آفاق غريبة عن نطاق عالمهم.
وبعد هذه المرحلة، وحتى الثانية عشرة من أعمارهم، يكونون قد انتقلوا إلى دور آخر أقرب إلى الواقع، فهم يهتمون اهتماماً واضحاً بالواقع دون أن يتخيلوا عن التخيل. ويكون التخيل القائم على الصورة البصرية هو الغالب . ولكن الطفل بعد ذلك يميل نحو التخيل المجرد الذي يقوم على الصور اللفظية.
وبوجه عام، يمكن القول: إن الصورة البصرية تشغل حيزاً واضحاً في نشاط الطفل الخيالي، خلال فترة الطفولة المبكرة والمتوسطة، ثم يأخذ الاتجاه نحو الخيال المجرد، الذي يقوم على الرموز وتكوين الأفكار.
وللمخيلة أهمية كبيرة في خلق الصور الذهنية التي تقود إلى الفهم. فأحداث التاريخ والأفكار والمعلومات في العلم والأدب والفن يستوعبها الطفل، مستعينا بمخيلته التي تصور كل العناصر في تراكيب خاصة دون ما حاجة إلى أن تعاد الأحداث أمامه من جديد.
لذا يقال إن المخيلة هيأت للطفل أن يبصر ويسمع ويذوق ويشم ويلمس بعقله مالا يستطيع الإحساس به عن طريق حواسه مباشرة، وتصور ما ليس وجود أصلاً.. ولولا هذه القدرة لما استطاع أن يصل، إلى معنى أدبي أو فني أو علمي، وعلى هذا فالخيال طريق لامتصاص الأطفال للثقافة، وهو أسلوب لتجسيد عناصرها فنياً، فالواقع والأحداث والأفكار والمفاهيم هي بحد ذاتها ميتة، ولكن الخيال يبعث فيها الحياة ويمنحها أبعاداً، ويصوغها في هياكل، ويظهرها بشكل جديد.
المركز الصحفي السوري _ محمد نور الأسود