يرتفع الستار على قطاع خان يونس الفلسطيني، حيث يعيش حسن ذو الثالثة عشر ربيعا، و إخوته و والديه، لم تكن حياتهم طبيعية أبدا، ستطلق عنان ناظريك ولن تجد سوى بقايا الظلم والحسرة تراها في عيون الأهالي وهي كلها معاني باتت تلخص حياة الفلسطينيين فردا فردا .
يعيش حسن وأسرته في بيت بسيط، الوالد منقطع عن العمل لسوء الأوضاع، والأم ربة بيت أعانها الله، فقر مدقع، أوضاع مزرية، انتهاك للحقوق، وضياع الأنفس، تسابق مع الموت من أجل الحياة، استمر الحال ركودا، واستجابت الجهات المعنية لطلبات البعض هناك، رغبة في عيش كريم، تقرر إعطاء بعض الشقق في المشروع القطري جنوب القطاع، تسلمت الأسرة شقة بعد عناء وجهد بعد فرض تسديد مبلغ زهيد بات شبيه بدفع ثروة أمام الوضع المزري، سعى الوالد المسكين بشق نفس جمعه و دفعه وتأمين مأوى أفضل لأبنائه ،فهل كان هذا حد الصراع من أجل البقاء؟!
يبدو الحال كذلك فقد استطاع الأب العمل كبائع خضر في السوق الشعبي في مخيم النصيرات وشاركه أبناؤه الصغار الذين لم يبلغوا سن الرشد في ذلك، ودام ذلك الحال لسنتين منذ سنة 2017 ، إلا أن الحظ تكور على نفسه و أبى الصمود، ضاق الحال واستاء.
و لم تعد عائلة حسن فقط في مواجهة مع الحياة، بل آلاف العائلات، ازداد الوضع سوءا بسبب الحصار، الإحتلال ولإنقسام، واستمر الحال خنقا لنفوس الأهالي، لكن من رحم المعاناة تولد الشجاعة، هكذا قام حسن الذي دفعه الظلم والقهر بالنهوض، والتمسك بحبل النجاة من بركة الحسرة والقهر، وشد العزم للبحث عن عمل لوالده، حاور مؤسسات وناشد جمعيات وطرق الأبواب، لكن كل محاولاته هذه باءت بالفشل، استمر الولد والأب قدم على ساق في البحث جاهدين إيجاد عمل لحمل حاجيات الأسرة الأساسية، ولم يجدوا! لم يستطع الإبن تحمل المزيد، فقد بلغ السيل الزبى وبلغت القلوب الحناجر، ولا بد من حل سديد.
في عام 2019 و بالضبط في يوم الجمعة من شهر مارس صلى حسن فجره، واتجه لبيته، وما إن فتح الباب حتى وجد أمه منهارة بالبكاء، إنه يوم الجمعة، تجتمع فيه كل أسرة فلسطينية للغذاء الذي يكون عادة دسما، كيف سيتسنى لهذه الأسرة ذلك وهم بالكاد يسدون جوعهم برغيف خبز و كوب شاي!!
طبطب الإبن على كتف امه وقال : ” صبرا أماه، قريبا سيتم العثور على عمل لوالدي “، لم تأخذ الأم بالا لكلماته ولم تفهم المقصود، توجه لإخوتيه و أردف قائلا : ” أنا رايح عند ربنا و أنتو ديروا بالكم على أهلي و ما تقصوا معاهم “، ردوا قائلين: شو يعني؟
همْهم هو الآخر ((رح تفهموا بس والله مجبور )) بخطوات خفيفة، توجه لخزانة ملابسه، و أوصى والدته بأن تمنح كل الملابس الموجودة فيها للفقراء، واعفى نفسه من غذاء ذاك اليوم، وتوجه لبيت ربه حيث يمتلئ القلب اطمئنانا، صلى جمعته وتوجه مباشرة بعدها لمسيرات العودة شرق القطاع على حدود غزة.
تقدم حسن لأحد الأطقم الطبية وأخبره بأن يخرج جثمانه بعد قليل، التزم الصمت هذا الأخير و لم يقل شيئا، وكان وعده مفعولا، توجه بين المحتشدين للأمام وكانت رصاصة العدو تنتظر ظهوره، حيث أصابته رصاصة قناص مطور على مستوى صدره، اردته شهيدا، ويا لمقام الشهادة لم يجد الهناء في أرضه وتوجه لربه، استجاب له و انتشله من وطئة الظلم و اصطفاه من بين الملايين و ارتقى شهيدا.
انهارت الأسرة لسماع الخبر بعد أن تداوله الإعلام، لم تكن الصدمة خفيفة، فلا كلمات تصف حالهم، ولا حروف تجسد عمق الجروح، وكان وعد حسن مسؤولا لقد حمل مسؤولية تغيير حال أسرته وذاك ما حدث، بعد أن تداولت الجمعيات والمؤسسات بعض مقاطع الطفل وهو يسأل عن عمل لوالده، تيسر حال الأسرة بعد أن حصل الأب على عمل و راتب قار، استطاع من خلاله توفير حاجيات أسرته وتأمين تعليم الأطفال.
هي واقعة من بين آلاف الوقائع المشابهة لأناس سلكوا نفس المنحى، حيث تعطلت الحياة و قوضت آمال الشعب في مستقبل منير، وسيطرت مشاعر اليأس والإحباط، الناس في فلسطين يستحقون الحياة.
صليحة أضبيب
المركز الصحفي السوري