انتهت مغامرة بوتين السورية إلى خاتمة مفاجئة. لكن، يجب أن نتذكر أفغانستان، حين أعلن الاتحاد السوفياتي بعد عام ونصف العام على الغزو انسحابه الجزئي. واليوم، أُعلن انسحاب «الجزء الرئيسي» من القوات الروسية من سورية. وليس مستبعداً أن يكون الإعلان خطوة دعائية فحسب على هامش بداية محادثات جنيف. ولم يفصح رسمياً عن العدد الحقيقي للقوات الروسية في سورية، على رغم أنه يقدر بالآلاف. وطبعاً، ستلتقط كاميرات صور مغادرة الطيارين الروس البواسل وقوات المارينز سورية. لكن، خلال شهر واحد أو اثنين، إذا بلغت محادثات جنيف طريقاً مسدوداً، فستستأنف عمليات القصف. وإلى اليوم، لا حائل دون وقف القصف بذريعة حماية القواعد الروسية وقمع المخالفين للهدنة.
وعلى رغم ما تقدم، ثمة أكـثر من سبب يرجح أن التدخل الروسي في سورية يتجه فعلاً إلى الانخفاض، وكان من المفترض أن يســتمر 6 أشهر فحسب تقضي القوات الروسية فيها على قوات المعارضة المعتــدلة (وليس على «داعش») وتســمح للأســـد بإملاء شروط تسوية النزاع، وتجبر الغرب على التزام مقاربة ندية مع روسيا في المسألة السورية. ووجهت روسيا، والحكومة السورية معظم ضرباتهما إلى مواقع المعارضة المعتدلة. فتنظيم «داعش» لم يمنَ بأي خسارة في ميدان المعارك السورية في 2015. وحين إعلان الهدنة كان واضحاً أنّ روسيا لم تبلغ أهدافها. ولحقت بالمعارضة المعتدلة الخـسائر، لكنها ليســت كارثيّة. أمّا تقليص ترسانتها من الأســلحة والذخيرة، فقابلته إمدادات عسكرية من تركيا وغيرها من الدول. واستخدم الطيران الروسي أسلـحة قديمة ورخيصة والصواريخ غير الموجهة. وأنزلت هذه الأسلحة معاناة كبيرة بالمدنيين. وتمكـــنت قوات الأسد من الســيطرة على عدد من البلدات، لكنها فشلت في حلب، وهذه كانت من المفترض أن تكون منعطف النصر الحاسم للنظام.
وخسائر روسيا في حملتها العسكرية في سورية ضئيلة. لكن بوتين وجنرالاته أدركوا حين لم تبلغ أهداف التدخل في الأشهر الستة الأولى، أن من المستبعد أن تتحقق في الأشهر الستة المقبلة. وينتظر انتخاب رئيس أميركي جديد قبل نهاية العام. وليست السياسة الأميركية الجديدة واضحة، فقد يجرؤ الرئيس المقبل على التدخل في سورية. وعلى رغم أنّ الغرب يقر بأن روسيا لاعب بارز في سورية، إلا أنه لا يرغب في تسوية النزاع والقبول بالشروط الروسية. وإعلان الانسحاب قد يكون فرصة لحفظ ماء الوجه الروسي. وفي إمكان الدعاية الروسية أن تروّج بأنها حققت النصر وساعدت الأسد على الحفاظ على سلطته. لكن هذا ضعيف الصلة بالواقع. ففي بداية التدخل العسكري الروسي، لم يكن حكمه مهدداً في شكل صريح.
أمّا الآن، وإثر انسحاب أجزاء من القوات الروسية، فإن موقف الرئيس السوري يعود إلى ما كان عليه قبل التدخل. والمناطق التي وسع النظام السيطرة عليها بمساعدة روسيا، قد تؤول مجدداً إلى سيطرة المعارضة. ويواجه الأســد مشكلة في التجنيد بســـبب قلّة أعداد العلويين. لذلك، يبدو أن موقف الديكــتاتور اليوم أسوأ مما كان عليه قبل 30 أيلول (سبتمبر) 2015، بعد أن اتضح أنّه لا يمكن إنقاذ النظام حتّى بمســاعدة القصف الروسي. ويرجح أن يضــطر الأسد قبل نهاية 2016 للاستقالة والبحث عن فيلا في مكان ما في روبليفكا (حي مسكوبي راقٍ) أو شبه جزيرة القرم.
مركز الشرق العربي