تذكر المعتقلة السابقة مروة الغميان تفاصيل عن اعتقالها في فرع الأمن العسكري 215، مسترجعة شريط الذاكرة بعد أن رأت سجانها قيد الاعتقال فنشرت عبر صفحتها على الفيس بوك قائلة: (في اعتقالي الثاني، اقتادوني إلى فرع الأمن العسكري 215. كنت أهبط أدراجًا لا تنتهي، أدراجًا وأنا غارقة بالظلام بسبب الطماشة، حتى فقدت القدرة على عدّ الطوابق أو تمييز الاتجاهات. شعرت وكأنني أنحدر ببطء نحو قاعٍ سحيق، قاع لا رجعة منه، ولا ضوء في نهايته.
أدخلوني إلى زنزانة فارغة، موحشة، صامتة كالقبر، لا ينقضي فيها الوقت. جلست وحدي، لا أعلم ما ينتظرني، ولا ما يُراد بي. كنت هناك، جسدًا معلقًا بين الجدران، وروحًا تتخبط في العتمة، يرتجف كل ما فيّ من هول المجهول.
وفجأة، انفتح الباب بعنف، ودخل تيسير، المجرم الذي لاتزال ملامحه تطل من شقوق ذاكرتي، لا كما يظهر في هذه الصورة، بل كما كان في ذروة سطوته، متجبرًا متلذذًا بالرعب الذي يزرعه. لم يكن إنسانًا… كان وحشًا في هيئة بشر، خطواته تسحق الصمت، وصوته يشق الروح قبل أن يمس الجسد. في تلك اللحظة، لم أرتجف بردًا ولا ألمًا، بل رعبًا خالصًا تسلل إلى صدري حتى خنق أنفاسي.
لا تسعفني الكلمات لوصف ذلك الرعب، كيف زحف كالدخان في جوفي، كيف شعرت أنني عارية من كل شيء سوى الخوف… ذاك الخوف الذي لا يرحم، الذي ينزع عنك جلدك طبقة طبقة، ويتركك تهمس في داخلك: “متى ينتهي هذا الكابوس؟”
أقول له الآن: جاء دورك لتدخل تلك الزنزانة، لتعرف كيف يهوي القلب في كل لحظة، كيف ينتظر الإنسان شيئًا لا يعرفه، لكنه يعلم أنه مؤلم… الآن، ستفهم كيف يرتجف الجسد قبل أن تُمسّه يد، وكيف ينام الخوف في روحك فلا يغادرها.
إنها ليست شماتة… إنها عدالة تأخرت كثيرًا، لكنها حين وصلت، داوت شيئًا مما تهشّم في داخلي).
(البوست) الذي نشرته مروة تجاوز التفاعل معه 6340 تفاعلًا وعشرات المشاركات والتعليقات التي بدورها تبحث في ضمنها عن رغبتها بالعدالة وفرحتها بالقبض على هؤلاء المجرمين ، فالمجرم تيسير عثمان الذي انتشرت صوره في اليومين الماضيين وحظي بفرح كبير من أهالي حي المزة الذي كان سببًا في اعتقال واختفاء ما يزيد عن 4000 منهم وتعذيبهم ، تيسير الذي كان يخدم بفرع ال215 ويتكفل بملاحقة الشباب والقبض عليهم وتعذيبهم، ألقي القبض عليه لتخرج مظاهرة في حي المزة فرحة بهذا الخبر ، ومعبرة بذات الوقت عن كمية الظلم والقهر الذي مارسه هذا المجرم بحق المعتقلين وذويهم.
مروة التي كانت معتقلة في أقبية ذاك الفرع وبين يدي هذا السجان استطاعت أن تتلو شهادتها محاولة بعدالة هذه اللحظة أن تداوي شيئًا مما تهشم في داخلها كما ذكرت، وهو ما يؤكد رغبة الشارع بالعدالة التي تطال هؤلاء المجرمين وتنتقم لكل شهيد ومعتقل. مروة التي أرفقت صورة المجرم بصورة أخرى حفرت على جدران السجن تشهد على محاولة يائسة لأن نعنون وجودنا ولو على الجدران بأننا عبرنا من هنا لتكون الذكرى شاهدة على الوجود إن رحلنا قبل أن يعرف مصيرنا، حفر الاسم هو حفر في أعماق الروح في الجسد العاري في الذاكرة حفر يؤكد عمق الجريمة وظلم الجاني، يد العدالة طالت اليوم تيسير عثمان فبردت قلوب أهالي الشهداء قليلاً وأنصفت المعتقلين الشباب الذي سرقت الزنانزين أيامًا وأحلامًا منهم فخرجوا من القيد والقهر كامن في أعماقهم ، قد استطاعوا التنفس اليوم قليلاً بهذه العدالة وعلى أمل أن تطال بقية المجرمين منصفة جيلًا رباه الخوف والظلم لأنه رغب بالحرية والعدالة يومًا.