أطلقت عليه ثلاثة ألقاب في أقل من 48 ساعة، الرئيس المخلوع، وبعد أن انقلب على الحوثيين حلفائه طيلة ثلاث سنوات أصبح، في بعض وسائل الإعلام العربية، الرئيس السابق، ، ثم الرئيس القتيل بعد تأكيد نبأ مقتله في تفجير منزله في صنعاء.
لم تكن سيرته الذاتية سوى مسلسل من التحالفات ثم الانقلاب على تلك التحالفات، تحالف مع الجنوبيين وحاربهم، وحارب الحوثيين وتحالف معهم وانقلب عليهم في الوقت الضائع، وكذلك الحال مع السعودية التي تحالف معها وتلقى العلاج في مستشفياتها ثم حاربها ثم عاد إلى دائرة سيطرتها.
كثيرا ما وصف نظامه بأنه “كليبتوقراطية” أي حكم اللصوص، ويعني أيضا نظام حكومي يقوم على زيادة الثروة الشخصية والسلطة السياسية للطبقة الحاكمة على حساب الشعب.
خلال 33 سنة من حكمه المطلق لليمن بقيت البلاد على ما هي عليه، من لحظة توليه السلطة عام 1978 وحتى 2012 عام سقوطه وتنحيه عن الحكم، لم يحدث أي تغيير في التنمية أوفي البنية التحتية، أو أية مشاريع لنقل البلاد إلى التحضر.
حتى أن اليمن صُنفت في عهده من أكثر دول العالم فسادا في كل التقارير الدولية لعدة عقود متواصلة.
حول الجيش من مؤسسة وطنية إلى ما يشبه الإقطاع العائلي، وأدار البلاد عبر شبكة من العلاقات الشخصية والمحسوبية القائمة على الولاء العصبي العائلي والقبلي وتبادل المنافع.
علي عبد الله صالح السنحاني، المولود في عام 1942 في قرية بيت الأحمر لعائلة فقيرة، تربى على يد والدته، بعد أن فقد والده مبكرا، وسط اتحاد قبائل حاشد والذي يضم قبيلة سنحان التي ينتمي إليها.
واضطر إلى العمل راعيا للأغنام، وتنقلت أسرته بين القرى أيام الجفاف بحثا عن المرعى.
حاول الالتحاق بصفوف “الجيش الإمامي” في سن السادسة عشرة إلا أنه رُفض لصغر سنه، ولكن وساطة قبلية مكنته من الالتحاق بالجيش ومن ثم بمدرسة الضباط عام 1960.
مع قيام ثورة 26 أيلول/ سبتمبر وإعلان حاشد تأييدها للثورة المنطلقة من تعز، التحق صالح وباقي أفراد قريته بقوات الجمهورية، وكان صالح سائق مدرعة وكُلف بحماية مواقع للجيش الجمهوري في صنعاء ورقي إلى مرتبة ملازم ثان عام 1963.
شارك في الدفاع عن صنعاء بصف الجمهوريين أيام حصار السبعين، والتحق بمدرسة المدرعات في 1964 ليتخصص في حرب المدرعات.
وبرز نجمه عقب الانقلاب الأبيض الذي قام به إبراهيم الحمدي لينهي حكم عبد الرحمن الأرياني والذي كان الرئيس المدني الوحيد من حكام اليمن، وعين صالح قائدا للواء تعز برتبة رائد عام 1975.
لم تكن كل الشرائح المجتمعية سعيدة بتوجهات الحمدي ومحاولته تغييب البنى التقليدية السائدة والالتزام بالمبادئ التي قامت من أجلها الثورة، فتم اغتياله في ظروف غامضة لم تتضح حتى الآن.
تولى إبراهيم الغشمي رئاسة الجمهورية عقب اغتيال الحمدي ولم تمض ثمانية شهور حتى اغتيل الرئيس الجديد بحقيبة مفخخة لا يُعرف مصدرها على وجه التحديد إلا أن تكهنات تشير بضلوع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الحادث انتقاما للحمدي والذي كان متوافقا مع رؤيتهم لحد كبير.
بعد مقتل الغشمي تولى عبد الكريم العرشي رئاسة الجمهورية مؤقتا ولم تكن القيادات العسكرية واثقة في علي عبد الله صالح ، الذي تمكن من إقناع القيادات القبلية بقدرته على الرئاسة، وأصبح صالح رئيسا للجمهورية العربية اليمنية بعد أن انتخبه مجلس الرئاسة بالإجماع ليكون الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية وذلك في تموز/ يوليو عام 1978.
وفي الوقت الذي كان يتخذ أول قرار بإعدام ثلاثين شخصا متهمين بالانقلاب الناصري على حكمه، كان يرقى إلى رتبة عقيد عام 1979 وفي هذه الأثناء قام بتأسيس حزب ” المؤتمر الشعبي العام” الذي لا يزال يرأسه حتى عقب تنحيه من السلطة.
اتفق مع رئيس اليمن الجنوبي علي سالم البيض على الاتحاد في دولة اتحادية واعتبار صالح رئيسا للجمهورية اليمنية والبيض نائيا للرئيس. وسرعان ما نشبت الخلافات بين البيض و صالح بسبب طريقة إدارة صالح للبلاد، ودخلت البلاد حربا أهلية منهكة للجميع.
عمل صالح على إضعاف القيادات الجنوبية وتهميشها، وساهمت سياساته في تفاقم الخلافات الداخلية، وزاد من صعوبة الوضع سياسة اقتطاع الأراضي لمسؤولين ونخب قبلية من المحافظات الشمالية، إضافة إلى سياسة تعيين أقارب صالح في مناصب عسكرية متعددة لضمان ولاء المؤسسة.
لجأ لبناء وحدة عسكرية جديدة مثل “قوات الحرس الجمهوري” التي أصبحت جيشا قائما بذاته لتشمل كافة مناطق اليمن، وأنشئت وحدات جديدة تابعة لها أطلق عليها “الحرس الخاص” و”القوات الخاصة” وجمعت كلها تحت قيادة واحدة أسندها صالح إلى نجله أحمد بعد عزل علي صالح الأحمر من قيادتها.
وكان هو شخصيا وبشكل مباشر وراء المشكلة مع “الحوثيين”، في كانون الثاني/ يناير عام 2003 حين اعتقال 600 شخص من الحوثيين بعد مسيرة لهم ضد أميركا و”إسرائيل” وزجهم السجون. وصدرت مذكرة لاعتقال حسين بدر الدين الحوثي، وتوجهت قوة لمحافظة صعدة لتنفيذ الاعتقال، فرد أنصاره بالتصدي للجيش، وردت الحكومة بحملة عسكرية مكثفة، وقتل في العملية حسين الحوثي، و كانت هذه القشة التي قسمت ظهر البلاد و بداية النزاع مع “أنصار الله” أو “الحوثيين”.
وقاد بدر الدين الحوثي وابنه عبد الملك عمليات مسلحة ضد الجيش اليمني فرد الجيش بحملة عسكرية واعتقالات واسعة.
قامت احتجاجات ضد حكمه عام 2011 تكرارا لسيناريو سقوط زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، ضمن “الربيع العربي” الذي يسميه صالح ” بالربيع العربي الصهيوني” فسلم السلطة، بعد سنة كاملة من الاحتجاجات وسقوط مئات القتلى، بموجب “المبادرة الخليجية” الموقعة بين “المؤتمر الشعبي العام” و أحزاب “اللقاء المشترك” والتي أقرت ضمن بنودها تسليم صالح للسلطة كما أقرت حصانة له من الملاحقة القانونية، وهو ما أثار حفيظة شباب الثورة والمؤسسات الدولية.
هدأت المظاهرات بعد توقيع “المبادرة الخليجية” بعد تسليم سلطات صالح إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي.
استمر صالح بممارسة عمله السياسي كرئيس لـ”حزب المؤتمر الشعبي العام” ووجهت له اتهامات من الأمم المتحدة وعدد من السفارات الغربية بمحاولة عرقلة الفترة الانتقالية هو وأبناؤه وأقاربه. كما فرض مجلس الأمن الدولي في عام 2014 عقوبات عليه واثنين من كبار القادة العسكريين لـ”الحوثيين” لاتهامهم بتهديد السلام والاستقرار في اليمن.
ترك صالح السلطة بينما أتباعه والموالون له يسيطرون على الأجهزة الحساسة في البلاد، ويقال إن صالح و مراكز النظام القديم، مهدوا لسيطرة أعداء الأمس “الحوثيين” على العاصمة صنعاء وعلى مؤسسات الدولة وعلى أسلحة الجيش.
ولم يتأخر صالح كثيرا في الظهور كمهندس أساسي للزحف “الحوثي” على صنعاء، في محاولة للثأر من خصومه الذين ساهموا في سقوط حكمه، وحتى يظهر لاحقا، ربما، كمنقذ من الانقسام الطائفي والقبلي والحزبي والجغرافي.
واصل تقلبه ومكره، ولم يكن يحسب أن لعبه على الجميع وركضه بين العواصم، ومحاولاته للعودة إلى كرسي الحكم بأي ثمن ستكتب نهايته.
فقد أوقفت جماعة الحوثي سيارة صالح أثناء فراره من صنعاء بواسطة قذيفة صاروخية ثم أطلقوا النار عليه، لكن محسوبين على حزب المؤتمر قالوا إن الحوثيين اعتقلوا صالح حيا وقاموا بعد ذلك بإطلاق النار على رأسه وإعدامه.
وكانت جماعة الحوثيين قد أعلنت قتل “زعيم الخيانة” في إشارة إلى صالح.
عربي 21