في صباح مليء بالخيبات بعد ليلة ممطرة وعصيبة يقف أبو خالد “اسم مستعار” رجل أربعيني بملامح سبعينية وسط بقعة من الوحل بعد أن رفع أكمام سرواله في محاولة منه لتجنب التبلل واتساخ ثيابه.
بجسم هزيل يرتدي معطفاً قصيراً مليئاً بالثقوب والبرد يعصف به من كل صوب وهو يثبت مكانه كشجرة يابسة أنهكتها تقلّبات الطبيعة بينما بقيت تعاند الرياح.
يرمق شارداً أشلاء خيمته الغارقة بنظرات مليئة بالخيبة والعجز، فقد كانت تلك الخيمة الغارقة مأوى أطفاله الوحيد، تحوي كل ما يملك لهم من قوت ودفء.
يحاول أبو خالد التفكير في حلّ يريح عائلته من تلك المعاناة، ويزيح همومه المثقلة على كاهله ويطمئن باله.
ربما يتساءل في نفسه عمّا بإمكانه فعله لإنقاذ ما تبقى له من أملاكه البسيطة، أو يتساءل كيف يعيد بناء خيمته المهترئة وكيف يجفّف الثياب والفرش والبطانيات المبللة.
لعله يبحث بنظراته اليائسة عن لعبة طفلته التي بكت لأجلها طوال الليل أو عن كتب صغيره الذي أراد الذهاب للمدرسة لكن كتبه تبللت بمياه الأمطار، أو ربما يبحث عن معطف أو بطانية جافّة يدثّر بها زوجته المريضة، أو يبحث عن القليل من الطعام الذي لم يغرق بعد ليسدّ به رمق أطفاله الجياع.
بعيداً عن كل ذلك قد يكون شروده حنيناً لذكريات جميلة عاشها في أرضه وبيته قبل تهجيره قسراً حين كان يعيش تحت سقف يقيه الأمطار وجدران ترد عنه الرياح الباردة.
يقول أبو خالد أنّ الأمطار كانت الجزء المفضل لديه من فصل الشتاء ورائحتها الطيبة التي تفوح من جدران منزله ومشهد تساقط حباتها من نافذة الغرفة الدافئة أكثر ما يجلب له السعادة والسرور.
لا يمكن لعابر أن يفهم بالتحديد ما يدور في رأس ذلك الرجل خائر القوى، لكن ملامحه ونظراته، ثيابه ووقوفه بذلك المكان وبذلك الثبات توحي بأنّ كل الظروف وقفت ضده، وأنّ الشعور بالعجز يقف غصة في حلقه حتى يكاد يختنق من فرط العجز، حاله حال أكثر من مليون نازح في مخيمات شمال غرب سوريا.
كانت ليلة عصيبة عاشها قاطنو المخيمات، فبحسب إحصائيات الدفاع المدني السوري باتت أكثر من 500 عائلة من قاطني مخيمات النزوح في شمال غرب سوريا في العراء ليلة أمس بعد تضرر مئات الخيام من الأمطار، في حين لم تشهد المنطقة أيّ استجابة فعلية من المنظمات الإنسانية للتخفيف من معاناة الأهالي.
لا تزال مأساة مخيمات النزوح تتكرر وتزداد سوءً في كلّ عام مع ازدياد أعداد النازحين نتيجة استمرار الحملات العسكرية التي تشنها قوات نظام الأسد على مناطق شمال غرب سوريا.
بقلم: سدرة فردوس
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع