ميس عشر سنوات،سمراءالبشرة، واسعة العينين ، شقراء الشعرناعمة ،تظهر براءتها وقوتها في بؤبؤ عينيها.
حملت ميس هموماً أضعاف سنها ومسؤوليات تسبق براءتها، تحدثني وكأنها بلغت من العمر عتياً “عشت طفولتي مع والدّي وأختي الكبرى سلام” لم أكن أعي ما حال سلام!؟ كانت دائماً والدتي تطعمها وتغيير ملابسها..
كان عمري آنذاك 5 سنوات أما سلام عمرها 8 سنوات، دائماً كنت أتعجب لماذا لا تتكلم؟؟ لماذا لا تستطيع المشي؟ لماذا لا تستطيع الأكل بمفردها؟؟ لكن صغر سني منعني من فهم الأمر.
تكمل ميس حديثها وتضع يدها اليمنى على خدها لتذهب بذكرياتها بعيداً “عندما صرت أكثر وعياً فهمت أن أختي مريضة منذ ولادتها ولم يتمكن والداي من إيجاد علاج لمرضها. هناك في حيّ التضامن الدمشقي مكان سكننا، رزقنا الله بأختٍ جديدة فكانت آية في الجمال وكأنها الشمس في شروقها ،زرقاء العينين ، أحبها الجميع وأسميناها “إيناس” وبعد فترة ليست طويلة بدأت أعراض مرض سلام تظهر على إيناس أيضاً.
وبعد الفحوصات تبين أنها تحمل نفس المرض، تحول فرح العائلة إلى حزن ويأس . حاول والدي التواصل إلى الدول الأوروبية لمعالجة أختي الصغيرة أحضر والدي العلاج من بريطانيا. وعالجنا إيناس وسلام لمدة أشهر. فبدأ التغير يظهر عليهما فإيناس بعد أشهر تبتسم وتكاغي وسلام تستمع لكلامنا وتستوعبه نوعاً ما، لكن فرحتنا لم تكتمل، ففي ليلة سوداء بدأت القذائف تنهال فوقنا، عزم الرحيل كانت وجهتنا إلى مخيمات “أطمة” في الشمال السوري..
انقلبت حياتنا بين ليلة، وضحاها فكنا نعيش في رفاهية مطلقة، لنقطن في خيمة تفتقد أدنى مقومات الحياة تأقلمنا على حياة الخيمة رغم الصعوبة التي تواجهنا وبشكل خاص مع سلام وإيناس ساء ت أوضاعهما أضعاف ما كانتا عليه من قبل.
أستيقظ كل يوم صباحاً لتبدأ رحلتي مع الفتاتين من الساعة الخامسة فجراً بعد أن أصاب أمي مرض الديسك ؛بسبب معاناتها مع أخواتي وحملها لهن.كنت أطعم سلام وإيناس وأبدل ثيابهما فهما لا تستطيعان حتى الوقوف فدائماً طريحتا الفراش، دون وعي أو استيعاب.
بعد أن أنتهي من أخواتي والعناية بهم أقوم بتنظيف الخيمة وأحضّر طعام الإفطار مع أمي، ومن ثم أذهب للمدرسة أعود لأكمل واجباتي كنت متفوقة في دراستي”
أخذت ميس بيدي ووضعتها على يسار صدرها وقالت “قلبي ينبض برؤية أمي وأخواتي وأبي حولي، لا أتخيل حياتي يوماً دونهم، أحسّ أنّني أسعد من في الحياة لأنني أكسب رضا والداي ومحبة أختاي اللتان لا تدركان من الحياة شيئاً إلا حناني وحنان والداي.
بقلم :سهير إسماعيل