كان تأليف الحكومة قاب قوسين أو أدنى بعد التوافق الدولي، الأميركي ـ الأوروبي ـ الروسي تحديداً، على حكومة اختصاصيين غير حزبيين برئاسة الرئيس سعد الحريري، وشبه الإجماع الداخلي على هذه الحكومة من دون ثلث معطّل لأي طرف، وعودة اللقاءات بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحريري، إلى أن خرج الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله في 18 الجاري، بعد ثلاثة أيام على زيارة وفد من «الحزب» لموسكو، بطرح حكومة تكنوـ سياسية، لأنّ «حكومة الاختصاصيين لن تصمد»، وهذا في اليوم نفسه لالتقاء عون والحريري، والإعلان عن «لقاء الاثنين» بينهما، والذي كان يُنتظر أن يُسفر عن ولادة الحكومة. هذا التوقيت لكلام نصرالله، وسط هذه المعطيات كلّها، و«سيره عكس التيار»، الدولي خصوصاً، مفاجئ، ويشير، بحسب مصادر ديبلوماسية، إلى رفع السقف و«فرملة» التأليف، رداً على ما طُرح خلال الزيارة لروسيا.
إنّ دخول موسكو على الخطّ المتعلّق بلبنان يُعتبر الحدث الأهم أخيراً، بحسب مصادر ديبلوماسية مطّلعة، خصوصاً أنّ هذا الدخول الروسي لا يظهَر أنّه بخلاف مع واشنطن، بل هناك «قبّة باط» أميركية كبيرة لروسيا، إن لجهة دخولها العلني في ملف تأليف الحكومة، أو لجهة بيعها لبنان مليون لقاح «سبوتنيك v» حتى الآن. وعلى رغم أنّ البعض يرى أنّ روسيا تفرض نفسها لكي توسّع نفوذها، ترى هذه المصادر أنّ نفوذ موسكو في سوريا ولبنان بات معروفاً، وتستدلّ على سماح واشنطن بالحضور الروسي الجديد، من عدم إعلان أي اعتراض أميركي على ذلك. فعلى سبيل المثال، إنّ الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية لم تجب مباشرةً عن سؤال صحافي عن استقبال روسيا لـ«حزب الله»، بل حصرت إجابتها بالتحدث عن الوضع في لبنان. وتعتبر هذه المصادر، أنّ استقبال الروس وفداً من «حزب الله» على مستوى عالٍ، ودخولهم على خط التأليف ضمن المبادرة الفرنسية كما أعلنوا، هو «خطوة جديدة ومهمة».
وتشير المصادر إيّاها، إلى أنّ البحث بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووفد «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد، تركّز على بندين أساسيين: انسحاب «حزب الله» من سوريا، بحيث أنّ هناك مسعى إلى تهدئة الأوضاع هناك، والإسراع في تأليف حكومة في لبنان، وذلك وفق الاتجاه الذي حدّده لافروف قبل هذه الزيارة بأيام قليلة، حين التقى الحريري في أبوظبي، أي حكومة تكنوقراط برئاسة الحريري، فيما أتى خطاب نصرالله بُعيد هذه الزيارة منافياً لهذا التوجُّه الروسي.
وتعتبر المصادر الديبلوماسية، أنّ التصريحات القليلة والمُقتضبة، وبيان وزارة الخارجية الروسية العام عن هذا اللقاء، تدلّ إلى أنّ اللقاء لم يكن جيداً لكلا الطرفين. كذلك قال رعد، إنّ «المحادثات كانت ودّية وصريحة»، وباللغة الديبلوماسية تعني عبارة «صريحة» أنّه حصلت مواجهة خلال اللقاء، فيما قال الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية، رداً على سؤال عن مضمون الاجتماع: «أستطيع أن أؤكّد لكم أنّ الاجتماع قد حصل». وبالتالي، تشير هذه الوقائع كلّها إلى أنّه «لم يحصل اتفاق بين الجانبين على ما طُرح خلال اللقاء». وإذ تلفت إلى أنّ «دخول روسيا ما زال في بدايته»، توضح أنّ إيران و«حزب الله» يمكن أن يعارضا روسيا في مواضيع معيّنة. فطهران وموسكو ليستا على اتفاق تام في سوريا، حيث تُشنّ الغارات الإسرائيلية على القوات الإيرانية والمسلّحين التابعين لها بلا اعتراض روسي، بينما سجّلت موسكو اعتراضاً لمرة واحدة حين ضربت إسرائيل الإيرانيين عبر حميميم، فحذّر الروس الإسرائيليين من أنّهم وصلوا إلى مكان خطير وقد يتعرّضون للطائرات الروسية.
انطلاقا من ذلك، إضافةً إلى عدم تأليف الحكومة حتى الآن، ترى هذه المصادر أنّ «نصر الله إمّا يرفع السقف بعد لقاء موسكو بهدف التفاوض، وإمّا أنّه اتخذ موقفاً جديداً جدّياً لم تظهر أسبابه وأهدافه بعد، لكن الاحتمال الثاني مُستبعد، إذ إنّ «الحزب» غير قادر على تحمُّل انهيار لبنان، ونصرالله بنفسه قال إنّ بيئة «الحزب» تتأثر أيضاً بهذا الوضع، وبالتالي هناك طرح ما أدّى إلى رفع السقف وسلوك نصرالله في اتجاه معاكس لكلّ الإرادة الدولية، ومن ضمنها الروس الذين لديهم نفوذ وتأثير على طهران و«حزب الله».
كذلك، إنّ إعلان الروس أنّ اللقاء مع وفد «الحزب» تطرّق إلى التطورات الأخيرة في سوريا، وتوقيت دعوته إلى موسكو وشكلها، عوامل تؤكّد أنّ عودة «حزب الله» من سوريا إلى لبنان طُرحت جدّياً خلال اللقاء، وذلك في إطار المسعى إلى التهدئة والاتفاق الروسي ـ الأميركي على أساس قرارات الأمم المتحدة وإجراء الانتخابات الرئاسية السورية بمراقبة أممية، وهذه العملية تتطلّب وقتاً طويلاً. وإذا كانوا يريدون فعلاً تطبيق ذلك في سوريا، فيجب سحب القوات الموجودة فيها، وهذا الأمر مطروح جدّياً، أي عودة «حزب الله» إلى لبنان، وهي بين أيدي روسيا وإيران وليس «الحزب»، فيما أنّ تأليف الحكومة بيد «حزب الله» انطلاقا من إحالة الإيرانيين للروس إلى «الحزب» بعد طرح هذا الموضوع معهم، حتى لو كان هذا الأمر يجري بالتنسيق بين «الحزب» وطهران».
لكن هذا لا يعني، أنّ خروج «حزب الله» من سوريا سيتحقّق فوراً، بل هذا الإجراء يتطلّب أقلّه أشهراً إذا بدأ الآن، بحسب المصادر الديبلوماسية نفسها، إنّما يُمكن التأكيد أنّ «مرحلة المفاوضات على العودة قد بدأت، وهذا الأمر غير مرتبط بسلاح «حزب الله» في الداخل اللبناني، والذي يتطلب مفاوضات أخرى، وقد يُطرح أو يتأثر بالمفاوضات الأميركية ـ الإيرانية على الاتفاق النووي الذي تريد واشنطن أن يتضمن حلّاً للتدخّلات الإيرانية في بلاد الجوار، أي أذرعتها والميليشيات المُسلّحة التابعة لها في دول المنطقة».
وبالتالي، تقول المصادر إيّاها: «الحكومة كان يُمكن أن تؤلف، لكن حصل أمر أدّى إلى رفع السقوف فجأةً، فنصرالله قال: «أنا حاضر إذا كنتم تريدون حكومة اختصاصيين غير حزبيين لكنها لن تعيش أكثر من شهرين»، أي أعلن أنّه لا يريد هذه الحكومة إنّما بطريقته، وهذا بعكس الاتجاه الدولي كلّه، وبعد اجتماع موسكو، ما يطرح علامة استفهام عن الموقف الإيراني وأهدافه، خصوصاً أنّ للروس نفوذاً على إيران و«حزب الله». وتوضح أنّه على «رغم إمكانية ولادة الحكومة، إلّا أنّ البعض المؤثّر يربطها بالخارج على مستويين مختلفين: وجود «حزب الله» في سوريا، والمفاوضات الأميركية – الإيرانية – الأوروبية على الاتفاق النووي».
نقلا عن صحيفة الجمهورية