إن تطوّر وسائل التواصل وانتشار مقاطع التيك توك والصور والفيديوهات على السناب شات وغيرها، خلّف ظاهرة وليدة على مجتمعاتنا، وهي عرض جوانب مختلفة من حياة الناس الشخصية، وصل بالبعض إلى عرض صورهم في غرف المنزل الخاصة، وحفلات العائلية الخاصة وغيرها.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل تعداه إلى إنفاق مبالغ مالية تفوق قدرة الشخص، على أمورٍ لا قيمة لها، على الأقل على المستوى الاجتماعي للبيئة التي ننتمي إليها، كالاحتفال بأعياد الميلاد وكشف جنس المولود وحفلات الزواج والخطبة، وآخرها ظاهرة الاحتفال بالطلاق.
سميرة فتاة سورية من مدينة الرقة فقدت حياتها الزوجية بسبب صورةٍ لها نشرتها على حسابها فيسبوك وهي في غرفتها بجانبها بعض مقتنياتها، ليقوم أحد المتابعين بالتعليق لها قائلاً: “لسى محتفظة بالهدية اللي جبتلك ياها.. أتبع بملصقات بملصقات محرجة”.
تقول سميرة والقهر والحسرة قد طبعا على وجهها ظلالاً من الشحوب وهالات سوداء حول عينيها الصغيرتين: “بعد خناقة كبيرة واتهامات بالخيانة طلقني زوجي.. بسبب تعليق ما إلي صلة فيه ولابعرف صاحبه لامن قريب ولا من بعيد.. شو استفاد هالانسان المريض من الكذبة اللي قالها غير أنه خرب بيتي”.
ثم تستطرد حديثها قائلةً “انا الحق عليي ماتركت زاوية ببيتي إلا وصورتها.. كل كم ساعة نزل بوست واكتب فيه شو اكلت ووين رحت وشو جبت مع مبالغة بالوصف والتظاهر بالسعادة.. حتى صار بيتي من زجاج”.
تضيف هناء “من دمشق” معلّقةً على حديث سعاد، وقد مرّت هي الأخرى بتجربةٍ قاسيةٍ: “اي والله كلامك صحيح ما اجانا من هالتقليد الأعمى غير خراب البيوت، من فترة سنة وبعد خلافات بيني وبين زوجي على مصروف البيت وضيق الحال طلقني.. من غيظي عملت حفلة وجبت كاتو أسود وورود سودا ونشرت عالفيس حفلة طلاقي وخلاصي.. لما أولادي شافو المنشور زعلوا مني وراحوا مع أبوهم.. مافكرت بمشاعر أولادي وإني أحرجتهم قدام رفقاتهم ومعارفهم.. وخسرتهم بتصرف متهور”.
أما حسام المقيم في إحدى دول الخليج، فيروي لنا كيف أن صورةً نشرها على حسابه على أنستغرام قبل عدة شهور، كادت تتسبب له بفقدانه لعمله وأصدقائه، عندما نشر حفلة عيد ميلاد في مطعمٍ فخمٍ مع مظاهر احتفال باذخة، وكتب عيد ميلاد سعيد ابني الغالي، صادف ذلك يوم سرقة خزينة الشركة التي يعمل بها، لتتجه أصابع الاتهام نحوه، خاصةً أنه كان يمرّ بظروف مادية صعبة، فكيف له أن يقيم حفلةً باذخةً كهذه، ليتضح بعد، أنه لم يكن حفل ميلاد ابنه، إنما ابن صديق له لكنه نشر ذلك من باب الدعابة والتصنّع.
كثيرة هي القصص المشابهة التي تسببت بمشاكل بين الأهل والأصدقاء وأدت إلى قطيعة في بعض الأحيان وإلى السجن والطلاق في حالات أخرى. كلها بسبب اتباع مظاهر لا تعكس واقعاً صادقاً، تجعل من بعضهم مرضى نفسيين همهم إظهار الكمال والمثالية على حياتهم، في حين يكون فيه الواقع مغاير لما يتم إظهاره.
أما الأشخاص الأسوياء نفسياً فإنهم يتناولون تلك البرامج والتطبيقات بشكلٍ عفوي ومتوازن. يختارون صورهم وما يودون نشره بعناية بشكل لا يعود بالضرر عليهم ولا على متابعيهم، فهم يحترمون مشاعر الآخرين في احتمالية عدم امتلاكهم لبعض النعم التي أنعم الله بها عليهم.
قصة خبرية/ إيمان هاشم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع