المركز الصحفي السوري _ زهرة المحمد
من منا لا يذكرها تلك العبارة الشهيرة من فيلم عواء الذئب 1974، عبارة رغم رمادية ولون الأبيض والأسود على التلفزيون السوري ، إلا أنها لونت ذاكرتنا بتفاصيل حية للمواطن الشريف، والذي يضع حياته على كفه مقابل شرفه وحبه لوطنه!!
تلك الجملة التي مازالت ترن في الأذهان كصوت الذهب، على لسان الممثل الفريد صلاح قصاص والتي رددها الكبير والصغير دائما دون قصد ولكن لأنها تذكرهم بالرجولة والشجاعة التي فقدت كثيرا في يومنا هذا .
صلاح قصاص الدمشقي، من مواليد دمشق حي الصالحية 1923، بدأ عمله الفني في بداية الأربعينات، و اشتهر في المسرح والسينما والتلفزيون بالعديد من الأدوار الجديرة منها (( ساري – حمام الهنا – الغجرية العاشقة – شقة للحب – المطلوب رجلا واحد – المكافأة – مختار الضيعة – الحريق – أبو الليل – صقور الصحراء – العريس.. ..)) هذه الأعمال وغيرها من الأعمال، والتي بنت الدراما حجرا على حجر مع زملائه من الفنانين في تلك الحقبة، و اشتهر بالمسلسلات التي تقدم محتوى عميق وكانت تلك الشخصيات محببة ومقربة جدا للمشاهد السوري، حيث كانت الشاشة الصغيرة هي المتنفس الوحيد للطبقات المتواضعة والشعب السوري الذي يحب الأعمال التي تقربه من أرضه وجذوره .
تميز ” صلاح قصاص ” بشخصية تعكس النزاهة والقوة رغم الضعف، وكانت نبرة صوته الرائعة تجعل ما يقدمه يرسخ في الأذهان بشكل كبير.
الممثل المدرسة
يقول الممثل بسام داوود وهو يتذكر المشهد الشهير (ألف حبل مشنقة ولا يقولو بوعمر خاين يا خديجة، ما زلت أذكر صوته الجميل والصورة المعبرة الذي مر عليها الزمن و جعلها أكثر عمقا وجمالا… هذا الوجه الأسمر الذي لوحته الشمس والنظرة والنبرة الحادة ، كل تلك التوليفة عكست حياة من التجارب والهموم التي مر بها المواطن السوري ..))
ويرى ” داوود ” أن أعمال القصاص تشكل مدرسة حقيقية، خاصة في السينما والتلفزيون، التي قد تسنى له رؤيتها والنهل منها، و يضيف داوود أن الشعور بالحزن باغته حين كان يعمل على ورشة تدريب ممثلين سوريين من الجيل الشاب في أوربا، وتم ذكر الفنانين الأوائل الذين حملوا على عاتقهم هم بناء ذاكرة الدراما في الأبيض والأسود وكان أولها صلاح قصاص، والذي لم يعرفه أحدا منهم !!
شهرة بلا جاه
يروي (جمال الشامي)، مشهدا حيا منذ 30 سنة مازال عالقا في ذاكرته في مدينة دمشق، حيث كان في الباص، عندما رأى الفنان صلاح قصاص يقف في نهاية الباص، وهو كهل تعب ويحمل أكياس من الحاجيات، ويبدو كرجل عادي لا يميزه سيارة فارهة ولا بيت كفنادق خمس نجوم، ويبدو على تقاسيم وجهه الزمن والإنهاك!!.
ويقارن الفنان بسام داوود أيضا حياة الفنانين السابقين، بالفنانين حاليا مضيفا لا شك أن صلاح قصاص لم يعش ليرى أمجاد الفن كالذي يحصل الآن، فالآن يعيش الممثل عصرا ذهبيا بكل ما يتاح له من سيارات وبيوت وثراء، (( الوسط الفني يعج بالمتسلقين والدخلاء على التمثيل وغيره من الفنون، وهذا ما كان مستحيلا سابقا بوجود فنانين لم يكن يهمهم سوى الفن وجوهره وتقديم الروائع من الأعمال )).
لم يخن الفن صلاح قصاص بل كان حاضرا دائما رغم الزمن، كما كان قصاص وفيا بدوره لفنه الأصيل، ورغم تجاهل الحديث عنه بقصد أو دون قصد كغيره من الفنانين، وسط زحام المسلسلات الباردة والسطحية والمبهرجة والمكلفة، تبقى صورته وصرة تلك الأعمال، في الذاكرة باقية لتسعدنا و تلاحقنا رغم كل التغيرات الطارئة، والتي باغتت حياتنا لكنها أبقت الذكريات الجميلة رغم كل شيء .