ضربت الطائرة، قذائف هستيرية، رصاصاً كالمطر، اجتاحت أصوات الحرب المدوية المكان بأكمله، بدأ التمشيط للمكان، وأعطى الأتراك فرصة للمدنيين لإخلاء المكان، لكن أين نرحل وليس هناك رجل بيننا!!
استسلمنا للواقع دون حراك، جلسنا ننتظر الموت القادم، ترى أي قذيفة هي لمنزلنا، هل سننجو أم سيكون الموت حليفنا؟!
تسترسل عبير في وصف الأحداث التي عاشتها في لحظات مرّت عليها كالسنين “صوت الانفجار زعزع المكان، ركضت مع أمي لنرى ما الأمر، جارتنا مصابة بشظية، حاولت مساعدتها ركضت مع أمي لإحضار قطن وشاش من منزلنا، لنصمد جروح جارتنا، وإذ بالضربة الفاجعة زعزعت أمن الأرض التي نسير عليها، جعلت عدة أبنية تنهار، وأردت كلاً منا بمكان، أصبت بالجدار، وسقطت فوقي الحجارة، سواد اجتاح المكان، دخان أسود يلف الأرجاء، وبات يطاردني كوحش مفترس يريد انتزاع حياتي، أحسست بروحي تخرج مني شيئاً فشيئاً ناديت بسم الله بأعلى صوتي، كنت في حالة احتضار وكأنها النهاية”.
عبير عبير!! صوت مرتجف يناديني بخوف..
إنها أمي، حاولت الرد عليها بصوتي الخافت الذي بالكاد يسمع.
ركضت نحوي وأخرجتني من ذاك المكان الموحش، كالمقاتلة التي أبت الاستسلام، حملتني لمكان استطعت فيه تنفس هواء نقي، التقطت أنفاسي محاولةً جمع شتات ألمي، خرجت من تلك المعركة انا وأمي سالمتين، ركضنا نحو جيراننا لعلنا نأنس بهم، جلسنا معهم وإذ بأصوات مدوية فوقنا وارتجاج في الأرض.
وتكمل عبير سرد قصتها التي سببت ارتعاش جسدها الصغير وارتجاف صوتها الحزين “دخل ابن الجيران البالغ من العمر 11 سنة، ثيابه مغطاة بالغبار، شعره أبيض من التراب، ملامح وجهه شتائية من شدة الصدمة، يردد بلا وعي، ماتوا، ماتوا كلهم، بقيت أنا، ذهبت أمي مع جارتنا إلى ماتبقى من منزل ذاك الطفل، فإذا بأشلاء متناثرة، ست نساء، نجت منهنّ واحدة فقط مع طفل، همّت أمي لمساعدتها لكنّ ضربة أخرى استهدفتهم.
ركضت مسرعة لأرى أمي، فقد أحسست باليتم ومعنى الضياع، شعرت بالوحدة القاتلة، وسيطر عليّ البكاء، ولم تقف دموعي إلا بعد رؤية أمي.
أخذنا نسحب أنفسنا حتى وصلنا إلى طريق يفصل بين قوات الجيش الحر وتنظيم الدولة، بدأ عناصر التنظيم الرصاص نحونا لمنعنا من المغادرة، لا أدري كيف نجونا، إنه لطف الله بنا ورحمته علينا.
فلولا ذلك.. لكنا أشلاءً بين تلك الجثث الهامدة.
شيماء قادرو