طبيعي أن تحظى زيارة رئيس أكبر دولة في العالم للمنطقة باهتمام، خصوصاً إذا كانت هي الأولى له خارج بلاده بعد توليه الحكم، ولكونه توجّه إلى دولة تحظى بمكانة بين العرب والمسلمين في ظل تطورات وظروف بالغة التعقيد على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، وعلى ذلك فإن كثافة التغطية الإعلامية لزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المملكة العربية السعودية من طبائع الأمور، لكن تلك الحملة المسعورة التي جيّشت جماعة الإخوان المسلمين رموزها وعناصرها وآلتها الإعلامية الضخمة لشنها ضد الزيارة، كانت كاشفة للمستوى المزري الذي وصلت إليه الجماعة، ومظهرة كيف تحولت الجماعة إلى أداة بطش ومِعْوَل هدم وماكينة تشويه ضد كل نشاط أو تطور أو حدث مهم، طالما أنه لا يبحث في عودة «الإخوان» إلى الحكم في مصر أو إطلاق زعماء «الإخوان» المحكومين في قضايا تتعلق بنشاط التنظيم التخريبي في أكثر من دولة. لم تعبّر الجماعة عن قلقها مثلاً من الزيارة أو أبدت مخاوف من نتائجها، أو انتقدت جدول أعمال القمة، خصوصاً ما يتعلق بحصار التطرف ومواجهة الإرهاب، وإنما راحت تصطاد في كل مياه عكرة، وصبّت غضبها على الجميع ووزّعت شتائمها وسبابها على كل الأطراف، ناهيك عن طوفان الأكاذيب والفبركات والتزييف الذي اعتقد التنظيم أن وسائل إعلامه كفيلة بأن تستخدمه لتغييب وعي الناس للزعم بأن العالم كله احتشد ليحارب «الإخوان» لكونهم مسلمين!
عموماً، فإن القمة العربية الإسلامية الأميركية غير مسبوقة لجهة مستوى المشاركة فيها، والمواضيع التي جرى بحثها، وأيضاً توقيت انعقادها. صحيح أنه يجب الحرص وعدم التسرُّع في الحكم على النتائج حتى يتحقق بعضها على أرض الواقع، لكن هذا لا ينفي أن القمة رسّخت الحضور العربي مجدداً في ملفات المنطقة المشتعلة، ومنحت العرب الفرصة مرة أخرى لامتلاك زمام المبادرة لخلق دور فاعل للقوى الحية المعتدلة في المنطقة لتهدئة بؤر التوتر التي اشتعلت في السنوات الماضية، فمزيد من الانفجار والشظايا التي ضربت المنطقة بعد ما يسمى بالربيع العربي، سيجلب مزيداً من الأضرار. وتكفي نظرة الى خريطة المنطقة قبل الربيع العربي وبعده وظهور سرطان «الإخوان» على السطح، بعدما ظل لعقود ينتشر سراً أو خفية في نسيجها الاجتماعي لإدراك إلى أي مدى سيواجه العالم أخطاراً وأهوالاً إذا لم تتخذ الدول المعنية إجراءات جدية وحقيقية لمواجهة التطرف والإرهاب.
كان طبيعياً أن يحظى ملف الإرهاب ووجود ساحات في المنطقة لتصديره إلى بقية دول المنطقة، على نصيب مهم من النقاش شمل أيضاً الأطراف الداعمة للجماعات الإرهابية في المنطقة، سواء سياسياً أو مالياً، ويمكن اعتبار القمة أول تحرك دولي وإقليمي جدي ضد ذلك الخطر، خصوصاً إذا أفضت نتائج القمة إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، كون استمرار إهدار حقوق الفلسطينيين يعد أحد مسببات العنف والتّطرف في المنطقة. المؤكد أن قرار ترامب زيارة السعودية في أول رحلة لدولة خارجية، منذ بدء ولايته، يعد «ترجمة عملية» لسياسة جديدة، تشير إلى أن الاستراتيجية الأميركية في المنطقة ستكون ركيزتها السعودية ومصر والأردن، في إحياء للمحور القديم الذي كان فاعلاً أيام الرئيس بوش الأب إبان تحرير الكويت، وهو المحور الذي اهتز في عهد بوش الابن وانتهى تقريباً في عهد باراك أوباما. وهذا التوجه يختلف مع توجهات أوباما الذي أبرم اتفاقاً مع إيران عكس استراتيجية أخرى قامت على التوازن بين القوتين أو القيادتين السنيّة والشيعيّة. اعتمد أوباما سياسة اقتسام النفوذ بين السعودية وإيران في المنطقة، لكن ترامب بهذه القمة بدا وكأنه يُعيد الأمور إلى سابق عهدها بإحياء التحالف الاستراتيجي مع السعودية، والنأي عن سياسة «تقاسم النفوذ».
غياب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن القمة وإيفاده وزير خارجيته للحضور منطقي، فرغم برغماتيته وتحوّلاته، فإن انتماءه العقائدي غلب عليه، وحين كان الزعماء ورؤساء الوفود المشاركون في القمة يبحثون في مواجهة التطرف وجماعاته، من «الإخوان المسلمين» أي «داعش» وما بينهما من تنظيمات، كان الرجل يحتفل بالترشيح منفرداً لرئاسته حزب العدالة والتنمية رافعاً علامة رابعة التي صارت شعاراً لجماعة «الإخوان»، التي يفترض أن القمة ناقشت السبل لوقف تمددها وحصار تمويلها وعقاب من يقوم بإيواء قادتها وعناصرها!م
محمد صلاح :الحياة