. ولعل الصراع الدائر في سوريا كان سببا آخر وراء حرص روسيا على مد يد الصداقة لتركيا، فقد تدخل الكرملين في سوريا عسكرياً لحماية نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وبوتن في احتياج إلى الفوز في سوريا ومنفذ للخروج من هناك. ولتحقيق هذه الغاية، يحتاج إلى اجتذاب أردوغان إلى معسكره، فهو الذي كان يقدم السلاح والدعم للمتمردين السُّنّة الذين كانت القوات الجوية الروسية تتصيدهم.
ولكن الحجة لصالح محور شرقي مع تركيا أضعف كثيرا. صحيح أن تركيا تحتاج إلى السياح الروس لدعم اقتصادها المتعثر، ولكن أيا كانت الفوائد الاقتصادية التي قد تقدمها روسيا فإنها تتضاءل أمام تلك التي يقدمها الاتحاد الأوروبي- الشريك التجاري المهم الذي كان لا غنى عنه في دفع عجلة التحديث في تركيا. أضف إلى هذا سجل بوتن كشريك غير جدير بالثقة، فيصبح من الواضح أنه في حين قد تعود العلاقات الأفضل مع روسيا بالفوائد على تركيا، فإن أردوغان لا يملك تَرَف التخلي عن علاقات بلاده مع الغرب.
ولكن برغم أنه من قبيل الخطأ الاستراتيجي أن يدخل أردوغان مدار بوتن، فإن العديد من الزعماء ارتكبوا أخطاء استراتيجية من قبل. ولهذا السبب فإن الأشهر القليلة المقبلة سوف تكون حرجة للغاية، عندما تناقش تركيا والاتحاد الأوروبي قضايا خلافية.
لم تكن الحملة التي شنها أردوغان بعد الانقلاب المصدر الوحيد للتوتر بين تركيا والغرب، خاصة الاتحاد الأوروبي؛ إذ تصر تركيا على إعفاء مواطنيها الذين يزورون الاتحاد الأوروبي من التأشيرة، كما وعدت حكومات الاتحاد الأوروبي في يناير، قبل نهاية هذا العام. ولكن مع إخفاق تركيا حتى الآن في تلبية الشروط المتفق عليها، فقد لا يحدث هذا- وهي النتيجة التي أصبحت أكثر ترجيحا بعد محاولة الانقلاب. ونتيجة لهذا، أصبح الاتفاق الذي أبرِم في مارس بشأن الهجرة معلقا بخيط رفيع.
يستلزم رسم الطريق إلى الأمام إقامة حوار عاجل ومتواصل بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. وبدلا من السماح لأردوغان باستغلال العلاقة مع بوتن على حساب حلفائه في حلف شمال الأطلسي، يتعين على الغرب -والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص- أن يدين بشكل أكثر وضوحا من أي وقت مضى تحوله المتسارع نحو الاستبداد. ومن الأهمية بمكان أن يفهم أن مساره الحالي يقوده بعيدا عن عضوية الاتحاد الأوروبي وربما يكلف تركيا بعض العلاقات الاقتصادية التي تعتمد عليها.
الآن حان الوقت لكي يتخذ أردوغان القرار. فإما أن يجدد التزام بلاده بالشراكة الوثيقة مع الاتحاد الأوروبي، وكل ما يترتب على هذا من ازدهار، أو يستمر في دفع تركيا نحو مستقبل من العزلة، حيث يتلقى من حين إلى آخر مكالمة هاتفية مطمئنة من الكرملين- ولكن لا شيء يُذكر غير ذلك.;
العرب القطرية