واصلت الصحف العربية الصادرة الأسبوع الماضي جل اهتماماتها بالحديث عن الأوضاع والصعوبات التي تواجهها المنطقة العربية، خاصة الأزمة السورية التي دخلت عامها الرابع دون التوصل إلى أي من الحلول.
من جهتها رأت بعض الصحف أن نظام الأسد هو السبب الرئيسي فيما وصلت إليه الأمور من تعقيدات، بسبب استخدامه الحل الأمني منذ أربع سنوات والذي أثبت عدم جدواه على مر التاريخ، وأشارت إلى أن الأسد لم يقدر على إنهاء الأزمة بالحل الأمني مما أشعل الأمور وكذلك أن المعارضة لم تقدر على حسم الأمور في صالحها، مؤكدة أنه أصبح الآن من الصعب التوصل إلى حل سياسي بعد قتل الآلاف وتشريد الملايين خارج البلاد.
وفي ذات السياق تساءلت بعض الصحف عن ما تحمله الفترة القادمة بعدما قامت قوات التحالف الدولي بقصف ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وتابعت هل يستمر نظام الأسد والذي كان بدوره السبب الرئيسي في صعود هذا التنظيم.
من جانبها استنكرت بعض الصحف العربية رسالة الرئيس الروسي بوتن بشأن سوريا وإمكانية التوصل لحل سياسي رغم دعمه اللامحدود لنظام الأسد عسكريا وسياسيا.
ففي هذا الشأن قالت صحيفة المدينة السعودية في إحدى افتتاحياتها: إنه عندما يقرر سمو وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل في كلمته في ختام فعاليات القمة العربية الـ26 رداً على رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن للقمة أن روسيا من الدول التي يحتاجها العرب ويحتاج إلى دعمها في القضايا التي لا خلاف على تأثيرها على المصلحة العربية، فإنه يقرر في واقع الأمر حقيقة استراتيجية تشكل ركيزة هامة، ذلك أنه ليس في وسع أحد التقليل من التأثير الروسي على المشهد الراهن في المنطقة، وهو ما يتضح بشكل خاص في تدخلاتها في سوريا الذي يعتبر التحدي الأكبر أمام مسيرة علاقات الصداقة والتعاون بين موسكو وغالبية الدول العربية.
وأضافت الصحيفة ليس بوسع أحد إنكار أن روسيا جزء أساسي من المآسي التي يمر بها الشعب السوري من خلال كميات الأسلحة الضخمة التي تمنحها للنظام السوري منذ اندلاع الأزمة مع علمها بأن تلك الأسلحة التي يعتبر بعضها محظوراً دولياً يستخدمها النظام في قتل شعبه.
وأضافت أن هذا الواقع المؤسف يعكس استخفاف روسيا بالعقلية العربية وبمبادئ القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان استناداً إلى الحقيقة التي نراها بأم أعيننا: روسيا بهذا الدعم اللامحدود لنظام الأسد شريك أساسي للنظام السوري في قتل أبناء هذا الشعب وتشريده، وأنه حان الوقت أمام الكرملين ليدرك أن العرب يرغبون في أن تربطهم بموسكو علاقات وطيدة من خلال سياسة واضحة وصريحة تقوم على أساس الأفعال وليس النصائح، وأنه ينبغي عليها دعم التحالف العربي في مواجهة الإرهاب الحوثي.
واختتمت المدينة افتتاحيتها بقولها: إنه يتعين على موسكو الموازنة بين المصداقية والمصلحة الخاصة مع دولة أو اثنتين في المنطقة، على المدى القصير، وبين الصداقة والتعاون مع كافة دول المنطقة على المدى الطويل.
وفي ذات السياق أشارت بعض الصحف إلى مؤتمر المانحين الذي عقد مؤخرا في الكويت ففي هذا الشأن قالت صحيفة القدس العربي في إحدى افتتاحيتها: إن مؤتمر المانحين انقسم إلى ثلاث جهات عملياً، الأولى هي فئة المانحين من الدول العربية الغنية، والاتحاد الأوروبي وأميركا واليابان، والثانية هي فئة الدول المتضررة من الأزمة السورية، وعلى رأسها الأردن ولبنان وتركيا، والفئة الثالثة هي الجهات الدولية التي تعمل وسيطاً بين هاتين الفئتين، كهيئة إغاثة اللاجئين ومنظمة الصحة العالمية وهيئة رعاية الأطفال (اليونيسيف) و»أوكسفام» وغيرها.
وأضافت القدس قدمت فئة الدول المتضررة طلباتها، وكان على رأسها الأردن التي قدر رئيس وزرائها عبدالله النسور حاجتها إلى ثلاثة مليارات دولار لتلبية احتياجات السوريين على أرضها، مشيراً إلى أن البلد «استنفد موارده إلى الحد الأقصى واستهلكت بنيته التحتية وتراجعت خدماته وتأثرت إنجازاته ولم يعد قادراً على تقديم ما اعتاده لمواطنيه» بينما طالب رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام القمة بتمويل خطة قيمتها مليار دولار لدعم اللاجئين السوريين.
وأضافت أن أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الذي رعت بلاده قمة المانحين للمرة الثالثة على التوالي، وصف ما يجري في سوريا بأنه «أكبر كارثة إنسانية عرفتها البشرية في تاريخها المعاصر»، فيما قدم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إضافات على تفاصيل الكارثة، مشيراً إلى أن أربعة سوريين من أصل خمسة باتوا يعيشون في الفقر والبؤس، وأن البلاد «خسرت قرابة أربعة عقود من التطور البشري».
وأضافت الصحيفة أنه وبحسب بان كي مون فقد جمع المؤتمر تعهدات تعادل 3.8 مليار دولار بينما كان المطلوب 8.4 مليار دولار.
وأضافت أنه كالعادة فإن بعض التعهدات سيتأخر الوفاء بها، والبعض الآخر لن يصل، ولكن الأهم من كل ذلك أن مئات الملايين الموعودة ستتآكل حال خروجها من الخزائن وستذهب نسبة هائلة منها إلى الأجهزة البيروقراطية للمؤسسات الوسيطة، وفي نهاية السلسلة الغذائية الضخمة هذه ستصل نسبة متواضعة من هذه المساعدات إلى «السوريين»، عبر أجهزة الدول، وبينها، للمفارقة، مؤسسات تنتمي لـ «الدولة السورية» نفسها التي تهجر السوريين وتطاردهم بالعسف والقمع والقذائف حتى في بلدان هجرتهم.
وأضافت في سلم وصف التراجيديا السورية الذي صعدناه في مؤتمر المانحين لم نسمع صوتاً للسوريين أنفسهم، خصوصا المؤسسات الإغاثية والصحية والمدنية العاملة على الأرض السورية، في ظروف مهولة بتعقيدها وخطورتها، ولو على سبيل تقديم تجاربها وخبراتها ومشاهداتها، وبذلك تحول مئات آلاف القتلى وملايين النازحين والجرحى والمعتقلين والمهانين السوريين بمدنهم ومدارسهم ومشافيهم ومساجدهم المدمرة إلى أشباح غير منظورة في المؤتمرات التي تعقد باسمهم.
واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقولها: لعل هذا الغياب أكثر تعبيراً عن المأساة السورية من كل الأرقام السابقة.
وفي إحدى مقالاته بصحيفة السفير اللبنانية يقول الكاتب معتز حيسو: إنه أياً يكون الموقف من الحدود الجغرافية التي رسمها «سايكس – بيكو»، فإنها كانت مدخلاً إلى ضبط آفاق تطور المجتمعات العربية، وتركيبة الأنظمة السياسية وآليات اشتغالها. وانطلاقاً من تلك الخرائط، تم تفتيت الجغرافيا الطبيعية، وتأطير وتنضيد المجتمعات والحكومات العربية ضمن كيانات مغلقة على ذاتها، من حينها كان يتم الاشتغال على وضع الدول العربية في سياق تطور كولونيالي يغلق آفاق التطور المستقل، ويضع مستقبل هذا التطور في سياق التبعية الاقتصادية والارتهان السياسي.
وأضاف كان يتجلى ذلك من خلال الضغط على الحكومات العربية في سياق التحكم بتركيبتها وضبط بنيتها السياسية وآليات اشتغالها، لفتح الحدود والأسواق أمام السلع والرساميل، والتخلي عن الضوابط المالية والاقتصادية وتخفيض الرسوم الجمركية، واعتبار تدخل الدولة في السياسات الاقتصادية من أسباب إعاقة التنمية والتطور وحرية التجارة والتبادل والتوظيف والاستثمار.
وتابع أما الحرب الدموية التي تجتاح العديد من الدول العربية، فإنها تشير إلى إمكانية ولادة خرائط لدويلات وكيانات «وظيفية» جديدة، وذلك في سياق إعادة هيكلة الأوضاع العربية. أي أننا نقف على عتبة تحولات تحمل ملامح التزاوج بين مشاريع معدة مسبقاً، وأخرى يتم الاشتغال على إعدادها حالياً. والأخيرة ترتبط بشكل مباشر بالصراع الدائر بين مشاريع دولية وإقليمية كبرى. وخطورة تلك المشاريع لا تقف عند حدود إعادة تقسيم الدول والمجتمعات العربية انطلاقاً من توظيف المكونات الأولية سياسياً، بل تتجاوزها إلى توظيف دمائنا في رسم الحدود الجديدة، وتحويلنا إلى وقود لمشاريع دولية تقوم بتنفيذها أدوات داخلية، وأخرى عابرة للجنسية والحدود ودولية.
وأضاف أن ما يسمى «تنظيم الدولة» و»جبهة النصرة» وغيرهما، أدوات تعمل على تحويل المناطق التي تسيطر عليها، وهي لا تعدو كونها إرهاصات لمشاريع أكبر وأخطر، هو صراع سياسي، لكنه محمول في أحد مستوياته، على حوامل طائفية، وداخل كل منهما تناقضات بينية لا يمكننا تجاهل تداعياتها، وفي سياق الصراع بين تلك المشاريع، ما زالت تتولد فقاعات دينية وإثنية ومذهبية سرعان ما يتم سحقها بمحدلة المشاريع الكبرى، أو بفعل التناقضات البينية لأطراف الصراع وأدواته والخرائط التي يتم العمل على إنجازها، سواء كانت تعبيراً عن أحلام إمبراطورية، أو كيانات مذهبية ودينية، ستكون تعبيراً عن إرادة المنتصرين ومصالحهم. وهذا يستدعي التأكيد على أننا نقف على عتبة تحولات مصيرية تتجاوز حدود اللحظة التي سيتم فيها الإعلان عن التسويات الكبرى.
واختتم الكاتب مقالاته بقوله: إنه في صراع المصالح والسياسات الدولية والإقليمية، وتداخل أبعادهما ومستوياتهما في العراق ودول «الربيع العربي»، يتم تدويل الصراع وتحويل أطرافه إلى أدوات، لذلك فإن أي تسوية سياسية ستكون تعبيراً عن مصالح الدول التي تقود الصراع، وتشارك فيه بشكل مباشر وغير مباشر.
العرب