بُعيد انتصاره في حطين، عفا صلاح الدين الأيوبي عن أسراه سوى واحد منهم اسمه أرناط، وكان قد أقسم أن يقتله بيده، وفعل، ذلك لأنه لم يحفظ العهود وقواعد الحرب والسلم، فكان يقتل الأسرى، ويُغير على قوافل التجارة والحج المحمية بموجب معاهدات متفق عليها. وفي الحالة السورية فإنّ معظم مقاتلي المعارضة يخوضون الحروب كخيار شخصي، وبذلك يكونون إذا قُتلوا في المعارك قد اختاروا موتهم وطريقتهم في الموت، السجناء ليس لديهم هذا الخيار ولا غيره، لأنّ معظمهم من المدنيين الذين لم يحملوا سلاحاً.
لم تشهد البشرية جريمة من هذا النوع بهذا الحجم، 12679 شهيداً تحت التعذيب وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بينهم 163 طفلاً و53 سيدة، وبالنسبة إلى جهة الفاعل في الجريمة فإن النظام الأسدي قتل 99 في المئـــة من الضحايا، يتوزعون كالتالي: 12596 شخصاً، بينهم 160طفلاً، و38 سيدة، بينما سجل التقرير مقتل 29 شخصاً، بينهم 13 سيدة وطفل واحد على يد داعش، وأمّا قوات الإدارة الذاتية (ب ي د) فقتلوا 18 شخصاً بينهم طفل واحد وسيدة واحدة، وهناك 15 شخصاً قتلهم تنظيم جبهة النصرة، فيما قتلت فصائل في المعارضة المسلحة 19 شخصاً.
في بدايــة التظــاهرات في آذار (مارس) 2011 كان النظام يركز في اعتقالاته على النشطاء فحسب، وبالفعل واجه الناشطون ضغــــوطات هائلة، واعتقل بعضهم وفرّ الآخرون. كان النظام آنذاك ضائعاً وتائهاً ولا يصـــدق أن الشعب قام، وتلك هي طبيعته بأيّة حال، وأمّا بعد تلك المرحلة فجنّ جنونه، وغدت التـــوقعات أصعب، فهو يعتقل الجميع، بل يقتل الجــــميع، وإذا كنا نستغرب حينها استهداف النــشطاء المدنيين فضلاً عن غيرهم، فقد زالت الشكوك حول الأمر. وحتى يومنا هذا، بعد 5 سنوات ونيف من اندلاع الثورة، ما زال النظام يُفـــضّل المسلحين على المدنيين في معارضته، كي يتفنن بمظلوميته كضحية للإرهاب أمام العـــالم. وفي كل الأحوال قُتل الكثير من الناشطين المدنيين تحت التعذيب في السجن، والمــسلحين في المعارك والسجن أيضاً، ونعم التـــجارة الرابحة أبداً، بقتل جميع المعارضين!.
التنكيل بالسجناء يأتي في أسفل بشاعات التــاريخ الحديث، ليس من وجهة نظر دينية فحســـب، فقيمــــة الجسد البشري تتربع أسمى مـــوقع بيـــن الكائنات، وهي مقدّسة لذاتها، من دون النـــظر في صفاتها ومهماتها، وهي إذ تــــموت تحت التعــــذيب تتحوّل إلى قضيّة لا تسقط بالتقــــادم، وبـــذلك تكون قانونيّاً من أقوى القــــضايا التي يُفترض أن تهزّ الضمير العـــالمي، النائم، وهي من أصعب أنواع الموت، والقـــصص الموثقة توثيقاً دقيقاً تكفي لإدانة القـــاتل بأحكام لا تنتهي أيضاً يوم القيامة، ومنذ أكثر من 5 سنوات والدهشة تعتري السوريين وغيرهم بجمل كُتب لها أن تكون ممجوجة لكثرة تردادها عندما تفقد المعنى والغـــاية العادلة: «أين حقوق الإنسان في هذا العــــالم؟»، بل «أين المنظمات السورية التي تهتم بهذه القضايا لتوصلها إلى مآلها الطبيعي؟» وأين المكتب القانوني؟ وأين وأين وأين؟
الجريمة واضحة، بل يُعاد تمثيلها كل يوم بضحايا جدد، والأدلة متوافرة بكثرة، وما صور «القيصر» سوى جزء من الأدلة، فأين العدالة التي نقرأ عنها ونسمع بها؟
الحياة – براء موسى