بعد تحرير إدلب بمدة قصيرة ونتيجة لقصف الطيران المتواصل على المدينة الذي يفاجئ الناس في كل مرة بحضوره المرعب ويرهب الجميع بصوته قبل فعله, بات لابد من إيجاد طريقة تحذر الناس لأخذ الحيطة والحذر واللجوء إلى أماكن أمنة بعض الشيء بعيداً عن الأماكن التي يستهدفها الطيران عادةً, فكانت فكرة صافرات الإنذار لتحذر أرجاء المدينة أسوةً بالريف الذي سبقها في هذه الخطوة بما أنه حرر قبلها, وخصوصاً أن المراصد لم تعد تؤمن المهمة التحذيرية للناس العاديين مع عدم توفر الأجهزة اللاسلكية العروفة “بالقبضة” والتي تبث من خلالها المراصد أخباراً عن تحركات طيران النظام الحربي.
“أبو الشوق” هو المسؤول عن تشغيل صافرات الإنذار عند قدوم الطيران الحربي إلى المدينة وذلك من خلال تواصله مع المراصد التي تمده بالمعلومات عن تحركات الطيران واقترابه من المدينة ليقوم بتشغيل الصافرات في الوقت المناسب ليتخذ الناس حذرهم.
يعتبر “أبو الشوق” الشخصية الأشهر في المدينة وذلك مع ترديد اسمه على المراصد طوال النهار لعدم مفارقة الطيران الأجواء هذه الأيام.
ليست مهمة تشغيل صافرات الإنذار بالأمر السهل يتطلب الأمر المتابعة الدائمة للمراصد “فأبو الشوق” مستعد دائماً وإن غفل مرة وفاجأ الطيران الأجواء فإنه لن يسلم من كلام الناس الذي سيتوالى على المراصد متهمين إياه بالتقصير ذلك الذي يقول “شغل شغل مو سمعان الطيران لك شو كنت نايم ياأبو الشوق”, وأخر يقول ” الظاهر أبو الشوق ما خلص فطور” وتعليقات لا تنتهي إلا بمغادرة الطيران أجواء المدينة.
غالباً التقصير لا يكون بسبب غفلة “أبو الشوق” إنما هناك أسباب كثيرة ومنها الأسباب التقنية والتشويش الذي يحصل على الأجهزة اللاسلكية عدا عن الطيران الذي لم يعد يغادر الأجواء الذي يستدعي منه تشغيل وإطفاء الصافرات بمدة زمنية قصيرة فتتداخل الأمور مع بعضها.
ساعدت صافرات الإنذار كثيرا بعد تحرير المدينة بفض تجمعات كثيرة كان من الممكن أن تتسبب بمجازر لو استهدفها الطيران الحربي, فيما ساهمت أيضاً بتنبيه الناس للوصول إلى أقرب مكان أو ملجأ يقيهم من غاراته، وهذا ما كان يفعله معظم الناس من بينهم أبا حسن “عندما أكون متواجدا في السوق وأسمع صافرة الإنذار أقوم بالابتعاد قدر المستطاع عن السوق باعتباره من المناطق المستهدفة”, وأيضاً أم عمر تفعل نفس الشيء “عندما أسمع صافرات الانذار تدوي أذهب إلى بيت ابنتي فمنزلها قريب من السوق ثم أعود للتسوق عندما تهدأ الأجواء”.
لكن صوت صافرات الإنذار أصبح اعتيادياً مع سماعه يدوي طوال النهار مع استمرار الطيران بالتحليق فوق سماء المدينة والذي يكاد لا يغادرها، أصيب الناس بالملل من سماع صوتها حتى أصبح صوت الصافرات للبعض مصدراً للقلق فحسب, فقد سئموا الاختباء في المنازل فوتيرة الحياة مستمرة والموت إن أتى لن ينتظر أحدا, يقول عادل (25 عاماً) “تعبنا الاختباء كالجرزان فنحن خلقنا كي نعيش في الضوء لا في الظلام ولن يثنينا شيء عن ذلك حتى لو كانت ألف طائرة تحوم فوقنا والموت هو قدرنا جميعاً”.
وتقول حلا (18 عاماً) “لم يعد (أبو الشوق) وصافراته مصدر تحذير إنما مصدر قلق فأنا أتلقى دروسا خصوصية في معهد بعيد عن منزلي وأحياناً كثيرة اضطر للتغيب عن دروسي عندما أسمع صافرات الإنذار”.
إن غفل أبو الشوق عن تشغيل صافرات الإنذار أم لا فذلك الصوت أصبح عند البعض لا يمثل إلا ضجيجاً لا بد منه مع كل تلك الأصوات من أصوات الطائرات وما تلقيه من براميل وصواريخ ممزوجة مع مشاهد الرعب والخوف التي يعيشها الناس في كل يوم تقريباً.
المركز الصحفي السوري- أسماء العبد