على الرغم من الحديث عن اتصالات بين القاهرة وأنقرة وتقارب الرؤى بينهما فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط، وقّعت القاهرة اتفاقية لترسيم الحدود مع اليونان ما أثار تساؤلات بشأن أسباب توقف المحادثات بين مصر وتركيا وعدم حصول توافق بين الجانبين.
وقد عرضت قناة الشرق الفضائية المصرية وثائق مُسربة من وزارة الخارجية المصرية تكشف أن هناك تقاربا في الرؤى بين القاهرة وأنقرة، وأن مذكرة التفاهم التركية الليبية بشأن تحديد المناطق البحرية لا تستهدف مصر بالأساس، بل اليونان وقبرص.
وتقرّ وزارة الخارجية المصرية، في الوثائق المُسربة الصادرة خلال شهر يوليو/تموز الماضي بأن “تركيا تتجنب التعدي على المصالح المصرية في شرق المتوسط”.
من جانب آخر، أكدت وسائل إعلام تركية أن الجيش التركي أطلق إنذارا بحريا في مناطق واسعة شرق المتوسط ستجري فيها مناورات حربية بالذخيرة الحية يومي الاثنين والثلاثاء، بمشاركة سفن وفرقاطات وغواصات حربية، بالإضافة إلى قوات مختلفة من سلاح الجو، وهي مناورات قد تجري في مناطق متنازع عليها وتزيد من مخاطر الاحتكاك بين القطع البحرية التركية واليونانية المتزايدة بالمنطقة.
رفض تركي
بدوره، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن “الاتفاقية بين اليونان ومصر باطلة ولا قيمة لها”. وأوضح خلال كلمة له في وقت سابق من هذا الأسبوع أن “اليونان ليست لها حدود مع ليبيا ولا مع مصر، ولا يحقّ لها توقيع هذه الاتفاقية”.
وأكد “سنستمر في تطبيق اتفاقياتنا مع ليبيا”، مشيرا إلى أن أنقرة استأنفت عمليات التنقيب في شرق المتوسط، ومشددا على أن “اليونان لم تلتزم تعهداتها لتركيا بوقف عمليات التنقيب في المنطقة”.
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري، صرّح الخميس بأن مصر واليونان وقّعتا اتفاقا حول تعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدولتين في شرق البحر المتوسط، وهي منطقة تضمّ احتياطيات واعدة من النفط والغاز.
في السياق نفسه، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن “ما تسمى اتفاقية ترسيم مناطق الصلاحية البحرية بين مصر واليونان، تنتهك الجرف القاري لتركيا وليبيا وحقوقهما”.
وأشار جاويش أوغلو عقب زيارة رسمية إلى ليبيا ومالطا، إلى أن الاتفاقية تسببت في خيبة أمل لدى الاتحاد الأوروبي، مؤكدا أن أنقرة تعتبر الاتفاقية باطلة.
وعن التوترات في البحر المتوسط، لفت جاويش أوغلو إلى محاولة اليونان وإدارة قبرص الجنوبية، تجاهل الحقوق التركية بالمنطقة، عبر إبرام اتفاقات مع دول كمصر وإسرائيل.
من جانبها، قالت وزارة الخارجية الليبية إنها لن تسمح لأي جهة بالاعتداء على حقوقها البحرية، مؤكدة استمرارها في تنفيذ مذكرة التفاهم الموقَّعة مع تركيا.
اتصالات مصرية تركية
وذكر مصدر في رئاسة الجمهورية التركية للجزيرة نت أن اتصالات مستمرة جرت بين أنقرة والقاهرة عبر خبراء من الجانبين ناقشوا ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، لافتا إلى أن المحادثات توقفت قبل شهر تقريبا، نافيا وجود وساطة أردنية في هذا الشأن.
وقال “لدينا معلومات بأن المخابرات المصرية كانت تضغط على السيسي والحكومة باتجاه الذهاب نحو الموافقة على اتفاقية ترسيم الحدود مع تركيا كونها تقدم امتيازات كبيرة لمصر لن تستطيع أي اتفاقية مع أي دولة أخرى تقديمها”.
وأوضح المصدر التركي أن القاهرة تعرف جيدا أن اتفاقية ترسيم الحدود بين تركيا وليبيا تعطي مساحة كبيرة لمصر لكنها تتعرض لضغوط من أبو ظبي واليونان وفرنسا للحيلولة دون توقيع أي اتفاق أو حصول تقارب بين الجانبين في هذه المسألة.
ويرجح أن للولايات المتحدة دورا أيضا في عدم حصول توافق مصري تركي في مياه المتوسط على الرغم من دعم واشنطن لتركيا في ليبيا.
موقف ضعيف
البروفيسور سيرتاتش باشران، أحد أشهر الأسماء التركية في ملف شرق المتوسط وأحد المساهمين في الاتفاق التركي مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، قال “إذا صحت الخرائط التي نشرتها بعض وسائل الإعلام اليونانية حول الاتفاق المصري اليوناني، فاليونان قد تخلت عن رسم الحدود من جزيرة ميس الصغيرة ورسمتها من جزيرة رودس، وهذا يعني أولاً أنها تنازلت بشكل كبير لصالح مصر في هذا الاتفاق عن مطالبها السابقة التي كانت مصر ترفضها، ويعني كذلك أنها ستكون في موقف أضعف أمام تركيا في أي حوار أو ترسيم مستقبلي”.
باشران يرى أن مصر أخذت في هذا الاتفاق أكثر مما كانت اليونان تعرضه سابقا، لكنه يبقى أقل مما كانت ستحصل عليه في حال رسّمت حدودها البحرية مع تركيا أولا.
مناكفة مصرية
من جهته، ذكر النائب البرلماني والمبعوث التركي الرسمي السابق إلى ليبيا أمر الله إشلر أنه لو قبلت مصر بتوقيع اتفاقية ترسيم حدود بحرية معنا كانت ستكسب مساحات أكبر بكثير، ونحن حاولنا جاهدين منذ أيام حسني مبارك التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات مع مصر.
وقال إشلر للجزيرة نت “لم نفاجأ من توقيع القاهرة على اتفاقية مع أثينا رغم خسارتها لمساحات كبيرة مستحقة لها، فهي فعلت ذلك من باب المناكفة، ومع الأسف النظام العسكري في مصر مستعد أن تخسر دولته مصالحها في مقابل أن يخالف تركيا ويعاندها”.
وأكد المبعوث التركي الرسمي السابق إلى ليبيا أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها أنقرة مع طرابلس هي لصالح ليبيا وتركيا ومصر أيضا، وفي البداية أعلنت مصر أنها ضد الاتفاقية ثم بعد ذلك صرح وزير الخارجية المصري بأن هذه الاتفاقية ليست ضد مصالحهم.
وأضاف “بهذه الخطوة حافظت تركيا على حقوقها في البحر الأبيض المتوسط، وكذلك على حقوق الأتراك الموجودين في قبرص الشمالية، لكن تركيا منفتحة للجلوس مع مصر والدول المجاورة الموجودة بحوض المتوسط باستثناء قبرص الجنوبية”.
وفي حديث سابق للجزيرة نت، اتهم ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي أبو ظبي بأنها تعزز الخلاف بين مصر وتركيا وتقف في وجه أي تعاون مصري مع تركيا في شرق المتوسط حتى ولو كان على حساب مصلحة المصريين.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد صرح في 13 يوليو/تموز الماضي بحدوث لقاءات على مستوى الخبراء بين تركيا ومصر بشأن الاتفاقية التركية الليبية، مؤكدا “أن مصر دولة كبيرة ومركزية ولا يوجد مشكلة عندنا في التواصل معها بعيدا عن السيسي”.
نقلا عن الجزيرة