دخلت سوريا مرحلة مفصلية في مسار إعادة بناء قطاع الطاقة، مع تسارع الخطوات الروسية والخليجية نحو تأسيس شراكات استراتيجية تهدف إلى تطوير البنية التحتية النفطية والكهربائية في البلاد، بعد سنوات من التراجع والتحديات.
ويأتي هذا الحراك عقب زيارة الرئيس السوري إلى موسكو منتصف تشرين الأول 2025، والتي أفضت إلى سلسلة مباحثات موسّعة بين الجانبين الروسي والسوري، شملت ملفات النفط والغاز والكهرباء، بالتوازي مع حراك خليجي متزايد من قطر والسعودية باتجاه توقيع اتفاقيات استثمارية في مجالات الطاقة التقليدية والمتجددة.
التعاون الروسي: امتداد استراتيجي برؤية اقتصادية جديدة
أكد الخبير في مجال الطاقة الدكتور المهندس أحمد الضحيك أن التعاون الروسي–السوري يمثل امتدادًا لعلاقات استراتيجية عميقة الجذور، مشيرًا إلى أن المرحلة الجديدة تتركّز على إعادة تأهيل حقول النفط والغاز وتحديث محطات التوليد التقليدية، إضافة إلى تزويد مصفاة بانياس بالمكثفات والوقود اللازم للتشغيل المستمر.
وأوضح أن موسكو تسعى من خلال هذه المشاريع إلى ترسيخ حضورها الاقتصادي في سوريا عبر اتفاقيات تشغيل وإدارة طويلة الأمد، ما يتيح لها دورًا محوريًا في إعادة تفعيل دورة الإنتاج الطاقوي ورفع الكفاءة التشغيلية.
الاستثمارات الخليجية: تمويل وتنمية نحو الطاقة النظيفة
وفي المقابل، يرى الضحيك أن الاستثمارات القطرية والسعودية تمثل رافعة مالية وتنموية جديدة لقطاع الطاقة السوري، إذ تتجه الدوحة والرياض إلى إنشاء محطات توليد غازية ومشاريع للطاقة الشمسية والرياح في عدد من المحافظات.
وأضاف أن هذا التوجّه يعكس رغبة خليجية واضحة في دعم الاستقرار السوري عبر التنمية الاقتصادية، وبناء شراكات عربية–سورية متوازنة، بعيدًا عن الطابع السياسي التقليدي للتقارب العربي–السوري.
تكامل لا تنافس بين موسكو والعواصم الخليجية
وشدّد الخبير على أن العلاقة بين المسارين الروسي والعربي ليست تنافسية بل تكاملية، إذ توفر روسيا الخبرة التقنية والقدرات التنفيذية في البيئات الصعبة، بينما يقدّم الشركاء الخليجيون التمويل والتكنولوجيا الحديثة والمرونة اللوجستية، ما يجعل من هذه الشراكة نموذجًا لتقاسم الأدوار في عملية إعادة إعمار قطاع الطاقة.
أرقام الاستثمار المتوقعة
تشير التقديرات الأولية إلى أن حجم الاستثمارات الروسية في سوريا سيتراوح بين 1.8 و2.2 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، فيما يُقدّر حجم الاستثمارات القطرية بـ 1.2 إلى 1.5 مليار دولار، والسعودية بـ 1.5 إلى 2 مليار دولار.
وتركّز معظم هذه الاستثمارات في مشاريع الكهرباء والطاقة المتجددة، بما في ذلك إعادة تأهيل محطات حلب ودير الزور، وإنشاء مشاريع شمسية في ريف دمشق وحمص.
تحديات قائمة وإصلاحات مطلوبة
أشار الضحيك إلى أن أبرز التحديات التي تواجه هذه الشراكات تتمثل في العقوبات الغربية التي تصعّب عمليات التمويل والنقل، إضافة إلى ضعف البنية التحتية المحلية وغياب آليات تنسيق فعالة بين الجهات الحكومية والمستثمرين.
ودعا إلى تأسيس هيئة وطنية سورية للطاقة تتولى تنسيق الجهود بين الشركاء الدوليين، وتضمن الشفافية والتكامل الجغرافي والتمويلي للمشاريع.
انعكاسات اقتصادية ومعيشية متوقعة
يرى الخبراء أن نتائج هذه الشراكات ستبدأ بالظهور تدريجيًا خلال عامي 2026–2027، مع تحسّن ملموس في واقع الكهرباء وزيادة ساعات التغذية، وانخفاض تكاليف الإنتاج والنقل، إلى جانب خلق فرص عمل جديدة في مجالات التشغيل والصيانة والطاقة المتجددة، مما ينعكس إيجابًا على حياة المواطنين والنمو الاقتصادي المحلي.
سياسة تنويع الشركاء: خيار واقعي لمستقبل مستدام
ختم الضحيك بالقول إن السياسة السورية القائمة على تنويع الشركاء وعدم الارتهان لطرف واحد تمثل خيارًا استراتيجيًا واقعيًا، إذ تمتلك روسيا مفاتيح الإنتاج والخبرة التقنية، بينما يحمل التمويل الخليجي مفاتيح التوسع والنمو الاقتصادي، وهو ما قد يشكّل الأساس المتين لنهضة طاقوية سورية شاملة خلال العقد المقبل.







