أبو محمد رجل ستيني من أحد المدن السورية توفيت زوجته قبل اندلاع الحراك الثوري وكان لديه ثلاثة أولاد ، جسد نحيل لم يعد يتحمل أي صدمة أخرى و قلب حزين امتلأ بالحقد على النظام السوري وشعور بالخوف على ولده الذي لم يتبق له غيره بعد أن استشهد أحد أخويه واعتقل الآخر منذ بدء الحراك الثوري .
ياسر الابن الأصغر لأبي محمد شاب فتي لم يتجاوز عمره 19 عاماً اندمج مع الحراك الثوري، و في أول مظاهرة خرجت من مدينته كان ياسر في الصف الأول فيها و لكن عناصر الأمن قابلتهم بالرصاص الحي ونجا ياسر بحياته في تلك المرة، إلا أنه لم يخف أو ييأس على الرغم من تحذير أخيه الأكبر محمد ومعارضته لما يقوم به ياسر، وأخذ ياسر يشارك بالمظاهرة تلو الأخرى، وفي أحدها قامت عناصر الأمن بإطلاق الرصاص وأصيب ياسر برصاصة في رأسه أدت لاستشهاده فكانت تلك الصدمة الأولى لوالده.
و الشيء الوحيد الذي دفع الكثيرين للخروج في صفوف المظاهرات هو فقدان شخص عزيز على أيدي قوات النظام السوري، كما هو حال محمد بعد استشهاد أخيه في إحدى المظاهرات على الرغم من معارضته لما كان يفعله، ومضى محمد على درب أخيه، ولكن أحمد الأخ الأوسط كان محافظاً على حياديته وفي إحدى المظاهرات التي انطلقت بعد صلاة الجمعة، قامت عناصر الأمن بتطويق المظاهرة و اعتقلت كل من فيها ومن ضمنهم محمد وتلك كانت الصدمة الثانية لأبيه وأنكرت عناصر الأمن اعتقاله عند سؤال أبيه عنه.
وبحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان عن حالات الاعتقال ، فإن أعداد المعتقلين في سوريا فاقت 215 ألف معتقل، 99% منهم محتجزون لدى قوات الأسد التي تُنكر باعتقالهم عند سؤال ذوي المعتقلين عنهم.
وبعد استشهاد الابن الأول واعتقال الثاني تردت حالة أبي محمد الصحية والنفسية وبات يعاني من عدد من الأمراض القلبية وأصبح شديد الحرص على ولده الوحيد أحمد الذي لم يتبق له سواه، ولكن أحمد كان له رأي آخر فبعد أن لاحظ أن المظاهرات السلمية لم تأت بأي نتيجة التحق بصفوف كتائب الثوار وحمل السلاح بهدف الثأر لأخويه و أملاً بتحقيق النصر الذي كانا يطمحان له.
تحولت الثورة الشعبية في سوريا إلى العمل المسلح مع بدء انشقاق ضباط بالجيش احتجاجاً على قمع المظاهرات، وانطلقت بتأسيس الضابط المنشق المقدم حسين هرموش لواء الضباط الأحرار، تلاه تشكيل العقيد المنشق رياض الأسعد للجيش السوري الحر، ثم توالى تشكيل كتائب وألوية في مناطق متفرقة من سوريا وكان أحمد من أول المنخرطين ضمنها .
و بات أبو محمد يدعو لابنه بالنصر ويدعو ربه أن يحمي ابنه الذي بات السبب الوحيد الذي يدفعه للتمسك بحياته بعد أن دمر النظام السوري حياته بشكل كامل ولم تكن حالة أبي محمد هي الحالة الوحيدة في سورية فخلال أربعة أعوام من الثورة الثورية لم يتبقى عائلة إلا ونكبت و لم يتبقى شخص الا وفقد آخرا عزيزا عليه و أصبح لكل منزل سوري حكاية حزينة ترسم المعاناة في سبيل النصر.
محمد المحمود
المركز الصحفي السوري