تحظى كلا الدولتان، روسيا وتركيا، بعلاقات حيوية متبادلة فيما بينهما، زاد زخم هذه العلاقات وتنوعها من زخم التوقعات فيما يخص إمكانية تدهور هذه العلاقات بعد رد روسيا على إسقاط تركيا لإحدى طائراتها الحربية التي اخترقت الأجواء التركية، حسب ما تروي السلطات التركية.
بدا ذلك واضحًا بعد قيام الرئيس الروسي بالرد على هذه الحادثة بلهجة شديدة تخللها تهديد ووعيد لتركيا، لا سيما فيما يتعلق بعلاقتها التي تربطها بروسيا، حيث لمح بوتين، في خطابه، إلى أن الرد على “طعنة تركيا لظهرنا” سيكون شديد النوعية.
أما على الصعيد التركي، لم تصعد تركيا ردود أفعالها على بوتين وخطابه لاذع اللهجة، بل ادعت أنقرة، على لسان رئيس وزرائها أحمد داود أوغلو، بأنها لم تكن تعلم بأن الطائرة روسية وبأنها تعاملت معها على أنها طائرة مُخترقة لأجوائها وسيادتها، وأوضحت أنقرة بأنها لم تتعمد إسقاط الطائرة كونها روسية الهوية، بل أرادت التصدي للاعتداء الجاري على سيادتها.
ورأت الصحفية السياسية التركية باهار باكير، في تقريرها الذي نُشر في جريدة خبر ترك بعنوان “سيناريوهات حساسة على خط العلاقات التركية الروسية”، أن “أنقرة هدفت، من خلال تصريحاتها “غير التصعيدية” إلى تهدئة الساحة وتجنب تدهور العلاقات التركية الروسية المتنوعة والشاملة لأكثر من مجال، وهذا لا يعني بأن المتضرر من هذا التدهور تركيا فقط، بل روسيا أيضًا تجمعها مع تركيا العديد من العلاقات، وخاصة العلاقات الاقتصادية التي تعتمد على استيراد تركيا للغاز الروسي بأحجام كبيرة”.
وتضيف باكير مبينة أن “روسيا بحاجة كبيرة إلى تركيا، بعد فرض مُقاطعة غربية على غازها الطبيعي وبعد انقطاع طريق إمداد غازها عبر أوكرانيا، هذه المُقاطعة وهذا الانقطاع جعلا روسيا بحاجة ماسة إلى السوق التركية التي تستورد منها سنويًا 50 مليار مكعب من الغاز الطبيعي، أي 55% من حجم الغاز الطبيعي الروسي الكلي، كما أن روسيا بحاجة إلى تركيا في مشروع خط السيل التركي، الذي سيُستخدم في نقل الغاز الروسي إلى بلدان شرق أوروبا”.
وتتابع باكير تقريرها بالإشارة إلى أن “هناك علاقة اعتماد متبادل بين الطرفين، ولا يعني بأن تهديد روسيا لقطع العلاقات الاقتصادية سيضر بتركيا فقط، بل أنه يضر بروسيا أيضًا ومثال الغاز الطبيعي مثال بسيط على حاجة روسيا الماسة إلى تركيا فيما يخص العلاقات الاقتصادية، إلى جانب مجال الطاقة وصادرات الغاز هناك العديد من العلاقات التجارية التي تربط بين تركيا وروسيا، ولا يمكن التصور بأن الأخيرة، في هذه الفترة الحساسة، ستخاطر وستزيد من تهديدها لتركيا، وذلك لأن تماديها يعني خسارة اقتصادية مادية جسيمة”.
وحسب جريدة خبر ترك، التي تناولت سيناريوهات التصعيد المتبادلة بين الطرفين في تقرير صحفي بعنوان “سيناريوهات محتملة في المرحلة المُقبلة”، فإن حجم التبادل التجاري يُحتم على الدولتين “تركيا وروسيا” الاتصاف بالحكمة والبعد عن التصعيد في التهديدات المتبادلة، لأن كلا الدولتين لن تستطيعا التخلي عن علاقتهما المشتركة، ليس في المجال الاقتصادي بل في كافة المجالات.
وتفيد الجريدة أيضًا بأن “السيناريوهات المُحتملة للعلاقة بين الطرفين هي سيناريوهات تصعيد تنافس جانبي “بمعنى يمكن أن يكون تصعيدًا على الساحة السورية”، أما سيناريوهات العلاقات المتبادلة بين الطرفين فإن حذوها، استنادًا إلى الاعتماد المتبادل الشديد بين الدولتين في المجال الاقتصادي، سيكون كالتالي:
ـ تبريد سخونة الأزمة من خلال اتخاذ تدابير أمنية مُشتركة جديدة بين الطرفين، إضافة إلى ذلك وضع خارطة طريق لضمان عدم تكرار مثل هذه الأزمات، وما يدل على جدية تركيا في عدم التصعيد؛ قيام وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو بالاتصال بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حيث طلب تشاويش أوغلو من لافروف لقاءا مباشرا لبحث تداعيات الأزمة وإيجاد حلول لتجنب أي صدام عسكري مُقبل، كما أن خطابات كل من رئيس تركيا رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، كشفت عن الرغبة ذاتها.
ـ سيناريو التنافس الجانبي؛ فإن روسيا ستزيد من استهدافها للمعارضة السورية “المُعتدلة”، وفي حال اعتراض تركيا على ذلك، ستتجه روسيا فورًا لاتهامها بدعم داعش والحركات الإرهابية، كما أنها يمكن أن تُطيل فترة العملية الانتقالية للسلطة في سوريا.
ـ السيناريو الخطير وهو؛ قيام روسيا بعملية إبادة جماعية للتركمان، في جبل التركمان وفي منطقة باير بوجاق، في هذه الحالة ستزيد الضغوطات الشعبية على الحكومة التركية، وستصل روسيا الحدود التركية بشكل مباشر، وهذا ما يولد خطر الاشتباك المباشر بين تركيا وروسيا.
ـ السيناريو الأسوأ هو؛ استمرار الاستفزازات الروسية في اختراق الأجواء التركية، هذا سيولد المزيد من إسقاط الطائرات الروسية المُحاربة وسيولد تصعيد ذو مُنحنى آخر بين الدولتين.
ترك برس