من العبث العمل وبذل أي جهد لتحقيق أي هدف من أهداف الشعب السوري، ما دامت خلافات المعارضة السورية مستحكمة، وانقسامات الائتلاف ضاربة ويومية. ومن غير المجدي إطلاقاً الجري وراء أوهام الانتصار على النظام، إذا بقي هو موحداً ومعارضوه مشتتين محتربين، تناقضهم الرئيس بينهم وليس معه. وليس صحيحاً ما يقال حول مسؤولية النظام عن تخلف المعارضة وفوات سياساتها، داخل الائتلاف وخارجه، إذ من غير المنطقي والمقبول تحميل النظام المسؤولية عن أوضاع المعارضة بعد مرور أربعة أعوام على ثورة شعبية عارمة صمدت صمود الجبال الراسخات في وجه أعتى آلة قتل وقمع منظمة عرفها تاريخ العرب القديم والحديث، غير أنها لم تكن كافية لتوحيد مواقف وآراء نيف ومائتي شخص يدّعون تمثيلها، حوّلتها خلافاتهم وانقساماتهم إلى واحدة من نقاط ضعفها الرئيسة، بعد أن فشلت جميع الجهود في تقريبهم بعضهم من بعض، ونجحوا بامتياز في نقل صراعاتهم العبثية إلى الأرض، مع ما ترتب عليها من نتائج وخيمة أهمها اثنتان:
-ضياع عام وفشل متجدد يمعنان في تمزيق صفوفها المفككة، وتفتيت جهودها المفتتة، وزيادة تضحيات شعب فقد كل شيء، يتناقص عائد نضاله السياسي والعسكري باضطراد، ويسهم في تغييب أي دور مؤثر للمعارضة، يمكنها بواسطته فرض مصالحها على خارج يدير أزمة سورية ويحتجز نضال شعبها، دون أن يجد ما، أو من يحول بينه وبين التلاعب بمصيرها، أو يكبح تصميمه على تصفية حساباته الاقليمية والدولية المتشعبة والمعقدة بدماء بناتها وأبنائها.
-موقف عربي واقليمي ودولي لم يعد يرى في المعارضة شريكاً، سواء في حرب ام في سلم، يتناقص احترامه لها ويتراجع اعترافه بضرورة العمل معها، بعد أن فقدت أهليتها لتمثيل السوريين، وشرع يبحث عن بدائل من داخلها وخارجها كي يتحالف معها في المعركة ضد الارهاب، يقال ان موقعة عين العرب شرعت ترشح جماعة اوجلان من كرد سورية للعب هذا الدور ، بينما عجزت آلاف المعارك التي خاضها الجيش الحر، في جعله يلقى حظوة كهذه، حتى بعد أن بدأت أميركا والدول الغربية تدربه وتسلحه، وخاض معارك كبيرة جداً بجميع معايير الحرب والمقاومة. خلال هذه الفترة من عمر الثورة، لم تتوقف أميركا وروسيا عن تقطيع المعارضة والمقاومة إلى جهات متباينة وعن التلاعب بها، تارة باسم الحل السياسي، وطوراً بحجة الرغبة في إنهاء الصراع على سورية، الذي لا شك في أن واشنطن هي أكثر من أفاد ويفيد وسيفيد منه.
تتراجع المعارضة والقوى العسكرية القريبة منها بصورة يومية. ومع ذلك، لا نراها تبذل أي جهد لتخطّي انقساماتها، ولا تخجل من حقيقة أن أربعة أعوام من القتل والدمار لم تكن كافية لدفعها إلى بلورة حد أدنى من المشتركات تحيّد بواسطته خلافاتها وتبعدها ولو قليلاً عن حقوق الشعب المضحي والمعرض لظلم مزدوج: من النظام ومنها. ومن يحضر اجتماعا للهيئة العامة للائتلاف يعتقد أنه في مسرحية كتب نصها العبثي صمويل بيكيت أو أوجين اونيل، تختبر احداثها قدرة جماعات متناحرة على أبداع خلافات حول كل شيء ، وعلى الاستمتاع بانقساماتها، وينسى انه في اجتماع سياسي لجهة تنتمي إلى شعب واحد تزعم أنها مسؤولة عن مصيره.
في أجواء كهذه يشعر المرء بعبثية قول أو فعل أي شيء، ويفقد ثقته بقدرته على تغيير أو تحسين أي شيء. ولا يبقى له غير ما يقال في الجنازات ومجالس العزاء: لا اله الا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
“العربي الجديد”