” البنت مرجوعها لبيتها وزوجها وولادها”، مقولة تتداولها بعض من العائلات السورية المحافظة والتي تفضل تزويج بناتها في عمر مبكر دون أن تعطيها فرصة لإكمال تحصيلها العلمي لتكون في نهاية المطاف “ربة منزل” بمهام محدودة.
لم تكن “سوسن” ذات 45 عاما تعلم أن إصرارها على إكمال دراستها بعد زواجها سيفتح لها بابا من الأمل وفرصة للعيش بكرامة بعد أن ضاقت بها السبل وسط حرب لم تكن في الحسبان.
تروي لنا قصتها علها تكون مشجعة لغيرها من النساء:” بعد أن نلت الشهادة الإعدادية أصر والدي على تزويجي لابن عمي، فما كان أمامي خيار غير أن أقبل وأترك المدرسة، وبعد ثلاث سنوات من الحياة الزوجية تملكتني رغبة عارمة أن أكمل دراستي وبالأخص عندما بدأت صديقاتي بارتياد الجامعة، ورغم جميع الضغوطات التي واجهتني والكلام القاسي الذي وجه إلي من قبل أهل زوجي ومنه “أولادك أحق بوقتك من أن تضيعيه بين الكتب”، إلا أنني أصريت وتحملت كل ذلك في سبيل أن أجد لنفسي سبيلا أرضي به طموحي وأثبت جدارتي”.
تحدت سوسن جميع العوائق ونالت الشهادة الثانوية بمجموع خولها أن تدخل كلية الآداب وتدرس قسم اللغة العربية في جامعة حلب، لم يكن سهلا عليها أن تترك أولادها في ادلب أيام تقديم الامتحان، وبعبارات لن تنسى وقعها على نفسها وتتردد دائما على مسمعها من المحيط الاجتماعي حولها:” شو الي جابرك تدرسي وتتعذبي مشان بالآخر تعلقي الشهادة أو تتوظفي عند الدولة براتب مابطعمي خبز، زوجك وضعو منيح وعم يشتغل ومو منقص عليكي شي”، لم تحبطها كلماتهم القاسية وواظبت إلى أن حصلت على الشهادة الجامعية.
وما هي إلا أعوام وبدأت بوادر الحرب تلوح منذرة بقدوم كارثة على سوريا إن صح التعبير، وبعد أشهر قليلة من تحرير مدينة ادلب استشهد زوجها جراء غارة حاقدة على المدينة وانهار ودمر محله التجاري بمافيه من بضاعة، مصيبة ألمت بها وبأولادها، فقدت زوجها وذهب مصدر رزقهم ولم يبق منه سوى الركام وبقايا الذكريات بين ثنايا الحجارة المتبعثرة.
تكمل لنا “سوسن” قصتها وملامحها تروي حكايات من الصمود والقوة:” أمضيت فترة العدّة الشرعية في منزلي، وكنت أنفق من مدخرات زوجي، وطيلة تلك الفترة لم يطرق أحد أقرباء زوجي الباب ويقدم لنا ولو شيئا بسيطا من حاجيات المنزل، أدركت وقتها أن إصراري على الدراسة لم يذهب سدى، وأيقنت أن شهادتي ستكون المعيل لي ولأسرتي دون أن أحتاج طرق باب أحدهم”.
وبالفعل بعد انقضاء مدة العدة فتح الله أمام سوسن أبوابا من الرزق، بعد أن طلبتها إحدى المدارس الخاصة لتكون معلمة فيها، ولاقت شهرة بين أهالي الطلاب كونها كانت تعمل بضمير وإنسانية وتعطي من قلبها، لتكمل في منزلها دورات خاصة للطلاب الضعيفين باللغة العربية.
فالعلم سلاح يتحلى به الإنسان أينما وطأت قدماه، وقد أثبتت المرأة السورية خلال سنوات الحرب المنصرمة أن لاقوة تعلو على إرادتها وتصميمها لبعث الروح في حياة كادت أن تنتهي.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد