نحن أمام عدة معطيات في الأزمة السورية، وقد يكون لها تفسيران أحدهما أن هناك حراكا للخروج من نفق الأزمة، أو أن جميع الأطراف أمام طريق مسدود، وبالتالي تستمر آلة القتل الأسدية، وتدمير سوريا، مع تعاظم مخاطر ذلك على كل المنطقة.
في سوريا تمت تصفية الرجل الثاني في “حزب الله” مصطفى بدر الدين، وفي عملية نوعية، خصوصا أنه لم يقع معه ضحايا، وتمت العملية في مناطق يسيطر عليها نظام الأسد، وباعتراف حسن نصر الله. وجاءت هذه العملية في ظل فشل المفاوضات الدولية مع روسيا حول الحل السياسي في سوريا، وتزامن كل ذلك مع ظهور خطاب جديد في الإعلام الإسرائيلي حول ضرورة رحيل بشار الأسد، حيث كتب عاموس يادلين، الرئيس السابق في استخبارات الجيش الإسرائيلي، ومدير مركز أبحاث الأمن القومي الآن، مقالا في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية بعنوان “يجب أن يغادر الأسد”، معللا موقفه هذا بالقول إن “نهاية نظام الأسد ستضعف، بمعقولية كبيرة، جاذبية (داعش) للأغلبية السنية في سوريا”، وكذلك بسبب استمرار استخدام النظام الأسدي المتكرر للأسلحة الكيماوية. وهذا الموقف يناقض تماما الموقف الإسرائيلي المتمثل بأن ما يحدث في سوريا عموما يخدم المصالح الإسرائيلية.
وفي سوريا الآن أيضا تقوم الجماعات الأصولية بعملية حشد، وتشكيل تحالفات، للاستفادة من انهيار محادثات السلام، وذلك لضمان تفوق الجماعات الأصولية على المعارضة السورية الوطنية المنافسة التي وافقت على الهدنة المتعثرة، وهناك أيضا الدعوة الروسية للأميركيين من أجل التحالف لشن غارات مشتركة على جبهة النصرة، وهو ما رفضته واشنطن التي قامت بدورها بإرسال رسالة من الصعب تجاهلها بالأزمة، حيث قام قائد القيادة المركزية الأميركية الجديد الجنرال جوزيف فوتيل بزيارة سرية لشمال سوريا للاطلاع بنفسه على جهود بناء تحالفات متماسكة بين العرب والأكراد وغيرهما من المقاتلين المحليين لمحاربة “داعش”، وبحسب معلومات خاصة فقد استمرت تلك الزيارة 11 ساعة.
وعليه فإن في كل تلك الأخبار، أعلاه، والمعطيات، إشارات على أن شيئا ما يدبر للأزمة السورية، وقد تكون مجرد محاولات، لكنها تشي بأن هناك رسائل، سواء الاغتيال، أو الزيارة، أو التحضيرات، وكل ذلك يتم في سياق السباق مع الوقت، وكل حسب موقعه، فتفسير عامل الوقت يختلف بالنسبة لكل الأطراف، سواء الأسد، أو الإيرانيون، أو الروس، والإسرائيليون، وحتى الإدارة الأميركية، و”داعش”، وباقي الفصائل، وكذلك المعارضة السورية الوطنية. وكلما مضى الوقت، واقتربنا من نهاية فترة ولاية الرئيس أوباما، فإن الأزمة السورية ستكون مرشحة لانعطافات قاسية، وغير متوقعة.
ولذا فإننا اليوم أمام معطيات مختلفة ربما تقود إلى حراك فعال، أو أنها تسير إلى طريق مسدود، والمحزن في كل ذلك هو أن الثابت للحظة في الأزمة السورية هو استمرار معاناة السوريين بسبب استمرار آلة القتل الأسدية، وكذلك تعاظم المخاطر الإرهابية على المنطقة ككل.
الشرق الأوسط