مازالت الذكريات معلقة هناك في تلك المدينة التي كانت تجمعنا، ذاك المنزل المفعم بالأحلام والذكريات الطفولية والحب والود، أخذ يطرق مخيلتي في كل وقت وكل حين.
المنزل الذي جمعني بوالداي وأخوتي منذ يوم ولادتي والذي ضجت به ضحكات الطفولة و بنيت عليه ذكرياتي و رسمت أحلامي به أصبح ملاذاً غير آمن، وأخذت تترنم فيه النيران بعد أن استولت عليه القذيفة حتى غلب عليه طابع السواد وأصبح العيش فيه مستحيل.
كان الحل الوحيد هو الابتعاد عنه و ترك المدينة بأكملها، التي أصبحت مدينة الرعب والأشباح بعد أن أصبحت خالية تماماً من أهلها بسبب القصف الذي طال جميع أنحاء المدينة، أشجارها الجميلة التي كانت تعكس اللون الأخصر أصبحت رمادا أسوداً، شوراعها التي كنا نتسابق بها في طفولتنا أخذت تتوزع القذائف بها في كل مكان.
فلم يكن أمامنا سوى التهجير أنا وعائلتي من مدينة حمص (حي الخالدية) إلى دمشق وبقينا هناك ما يقارب الخمسة أشهر في سنة 2012، وكان والدي يفكر في السفر خارج سوريا إلى أن حبه وشوقه لحمص منعه من السفر، وأخذت كل دقيقة تتحول إلى ساعة و كل ساعة تتحول إلى يوم و كل يوم يتحول إلى شهر وكل شهر يتحول إلى سنة بسبب الحنين لمدينتنا الذي أشعل النيران في قلوبنا.
كنا فئةً غير مرغوب بها في تلك الأراضي رغم أنها من الأراضي السورية من جنسيتي السورية من بلد واحد، كانت المعاملة غير جيدة والكلام الذي جرح قلوبنا و تعالوا علينا به ” إنتوا مشردين خربتوا مدينتكن وجايين لتخربوها علينا, قاعدين بحضننا وعم تنتفوا بدئنا”.
و إخوتي الذين اعتمدنا عليهم في لقمة العيش لم يسلموا من ذلك الأذى النفسي والجسدي ولقوا الذلة في عملهم فكانوا يعملون لساعات طويلة أكثر من عمال أصحاب المدينة ولتكن الصدمة براتب أقل من راتبهم، بالإضافة إلى الأعمال الشاقة التي كانت من نصيبهم وسماعهم الكلام الذي يهشم الفؤاد و يضعف الهمة و ينشر الحزن و اليأس في قلوبهم وكان ذلك ينعكس على كل أفراد عائلتي.
ذلك التهجير الذي سلب مننا أمننا وأماننا وحطم أحلامنا التي بنيناها ورسم لنا طريقاً مجهولاً ممتلئاً بالمصاعب والمشقات طريقاً لا يُعرف نهايته.
أليس ذلك الموطن الذي يجمعنا تحت اسم واحد تحت جنسية واحدة، أليست تلك القلوب سوريّة؟!.. تلك القلوب التي زُرع بداخلها كل الحب والمودة كيف تحولت لقلوب سوداء؟! كيف أخذت تبث الحزن واليأس في قلوب الآخرين.
بقلم : روان النمر
المركز الصحفي السوري