في خضمّ انفجار الصراع الدامي في حلب وعليها وعلى من بقي من أهلها، قدّم مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا تقريراً عن الجولة الأخيرة من المفاوضات غير المباشرة إلى مجلس الأمن. شرح في ذلك التقرير غاية تلك الجولة، وهي توضيح سبل صياغة ومرجعيّة ووظائف وصلاحيّات وطرق اتخاذ القرار في مؤسّسات الانتقال السياسيّ.
ثمّ بيّن دي ميستورا القواسم المشتركة التي لحظها في إجابات الأطراف كما أوضح المشاكل الخلافيّة. ويُمكن ملاحظة أنّ القواسم المشتركة لا تتعدّى ما جاء أصلاً في القرارات وفي الوثائق المرجعيّة الدوليّة. وبقي جوهر الأمور في قائمة المشاكل الخلافيّة الطويلة التي تستحقّ حقّاً القراءة بتمعّن. لقد تمّ تلخيص محاورها الأساسيّة على أنّها تتعلّق بكيفيّة ممارسة الحكم الانتقالي وآليّات التنسيق لمكافحة الإرهاب وكيفيّة إنشاء بيئة هادئة ومحايدة لحماية جميع الفئات ولاستمرار مؤسسات الدولة وإصلاحها. هنا انتقد السيّد دي ميستورا الأطراف كافّة بالقول إنّها لم ترغب الخوض في هذه التفاصيل حتّى يقبل الجانب الآخر رؤيته منذ البداية، أي رحيل بشار الأسد من طرف و «العودة إلى حضن الوطن» من الطرف الآخر. وعرض أمرين لحلّ هذه المعضلة: الاستمرار في المفاوضات غير المباشرة كي ينخرط كلّ طرف في التفاصيل، وعرض المشاكل الخلافيّة على «المجموعة الدوليّة لدعم سوريا» لمعالجتها. ما يعني أنّه أسلم أمر هذه المفاوضات إلى روسيا والولايات المتحدة كي يعملا على تفكيك عقدها.
كذلك لم يحصل أيضاً أيّ تقدّم على الملفّ الإنسانيّ، أي المعتقلين والإغاثة، حيث لا يريد الطرفان الخوض بتفاصيله، بل كموقف أو كشرطٍ للتفاوض.
الانفجار الذي دفع ثمنه الحلبيّون على الطرفين كان إذاً شبه حتميّ، خاصّة أنّ هناك جهات عدّة لا ترى مصلحةً لها في العمليّة السياسيّة الجاريّة، كما أنّ دولاً على الطرفين لا تجد في مآلات هذه العمليّة عائداً على استثمارها في الصراع.
وقد تداعت الولايات المتحدة وروسيا لإعادة الهدنة التي تمّ فرضها عبر قرار خاصّ من مجلس الأمن، ولكن هذه المرّة برقابة مباشرة من غرفة عمليّات مشتركة بينهما دون الدول الأخرى. الأمر الذي يشكّل سابقة تاريخيّة للتنسيق بين البلدين منذ الحرب العالميّة الثانيّة. بالتوازي، أدّت المشاورات التي تزامنت مع ذلك في مجلس الأمن إلى إبراز أمرين محوريين على الصعيد العسكريّ كما السياسيّ، هما ضرورة وقف القصف العشوائيّ للمدنيين خاصّة من قبل الموالين للسلطة، وضرورة فصل المعارضة العسكريّة كما السياسيّة عن «جبهة النصرة». المحور الأوّل قد تتمّ معالجته بمجرّد العودة إلى الهدنة. أمّا الآخر فلا أفق واضحا له، بحيث ستبقى «جبهة النصرة» والقوى المتحالفة معها صاحبة المبادرة لتفجير الأوضاع، كما متطرّفي الموالاة، لأنّ الحلّ السياسيّ أصلاً يعني استبعادهم.
انعقاد الجولة القادمة من المفاوضات مرهونٌ إذاً بمبادرات المتطرّفين ومن ورائهم، وبردّ الروس والأميركيين. لكن ليس واضحاً إذا انعقدت هذه الجولة إن كانت الأمور ستذهب إلى النهايات وإلى التفاصيل التي تجعل الحلّ السياسيّ ممكناً، سواء على صعيد الملفّ السياسيّ أو على صعيد الملفّ الإنسانيّ. فمن يجرؤ على التحدّث اليوم عن بيئة هادئة ومحايدة، وعن كيفيّة التنسيق لمكافحة الإرهاب، وعن الآليّات العمليّة للحكم الانتقالي؟ من يذهب مباشرة إلى نهايات الأمور، كي تبزغ إمكانيّة بداية الحلّ، وبرؤية هادئة برغم الآلام والأحقاد؟
السفير