قرن مضى على اتفاقية سايكس بيكو 16/ مايو 1916 التي صاغها السير “مارك سايكس” المستشار الدبلوماسي البريطاني، وفرانسو “جورج بيكو” السكرتير الأول في السفارة الفرنسية في لندن، بمشاركة وزير خارجية القيصرية الروسية “سيرغي سازونوف” قبل أن يتراجع عن معاهدته بعد اندلاع الثورة البلشفية الشيوعية، حيث تقاسمت بريطانيا وفرنسا الأرض والنفوذ في المنطقة العربية من تركة “الرجل المريض” الدولة العثمانية، ونتج عنها “وعد بلفور” التاريخي العام 1917 الذي أسس للصراع العربي الإسرائيلي، وحينها شعر العرب أنهم خُدعوا، وأن ثورتهم الكبرى لنقل الخلافة إليهم لم تكن سوى أداة للتقسيم والاستحواذ على مقدراتهم.
معاهدة سايكس بيكو قبل مئة عام كان هدفها الأساس تقسيم الأرض العربية واستعمارها، ونهب ثرواتها، وزراعة المشروع الصهيوني في جسد الأمة، ومنحه حق العيش والاستيطان، وفرض هيمنته، وقوته، بل مصادرة حقوق الفلسطينيين في أرضهم، واستقلالية قرارهم، ونكبتهم بإقامة الدولة اليهودية العام 1948، وما تلاه من العدوان الثلاثي على مصر العام 1956، ومعركة السموع بين إسرائيل والأردن 1966، وحرب النكسة 1967، ومعركة الكرامة 1968، وحرب أكتوبر 1973، ولبنان 2006، وغزة 2008 و2012، حيث كانت هذه الحروب والمعارك تثبيتاً ودعماً لدولة إسرائيل، وإعادة ترسيم المنطقة على أساس ذلك، وإضعاف العرب، ونشر النزاعات الإقليمية بينهم، ووصل بهم الحال اليوم إلى مأساة حقيقية في مواجهة ما هو أخطر من تقسيم الأرض إلى انقسام الإنسان العربي تبعاً لمذهبه، وهو التحول الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية ولا تزال في “مشروع الفوضى الخلاّقة” بعد احتلال العراق 2003، وثورات ما يسمى بالربيع العربي 2011، حيث يمثّل هذا المشروع استكمالاً لرؤية ومقاصد سايكس بيكو، ولكن هذه المرة من الداخل العربي وبدون إسرائيل كطرف في الصراع، ومن دون تحريك جندي على جبهات القتال، حيث يكفي أن تكون الفوضى الطائفية عنواناً لشرق أوسط جديد.
ولكن السؤال الأهم ليس في صياغة سايكس بيكو جديدة على أساس طائفي، وإنما من المستفيد مما يحدث اليوم في سورية والعراق ولبنان وليبيا واليمن من أحداث مؤلمة؟، وقبل ذلك في مصر وتونس؟، والجواب أن الغرب والصهاينة لم يجدوا أفضل من إيران أن تكون المستفيد الأول مما يجري اليوم على الساحة العربية، وتقديمها كضامن إقليمي جديد في المنطقة، ليس فقط في تحقيق مصالحهم، وإنما في نشر طائفيتها المسمومة التي هي أساس التحول في مشروع الفوضى بعد أن فشلت الثورات الداخلية إلى حدٍ كبير في التغيير المطلوب، ووعي الإنسان العربي بأجنداتها ومصالحها وخطرها على أمنه واستقراره، ولهذا كانت الطائفية بمثابة (الخطة ب) لتنفيذ المشروع، وفعلاً نجحت إيران في تصدير ثورتها، وطائفيتها، وتحريك أذنابها من مليشيات وأحزاب ومنظمات إرهابية لفرض ذلك، ولكن الأهم ليس النجاح في مرحلة زمنية، وإنما في التصدي للمشروع الإيراني الطائفي في الدول العربية، وتعريته، وهزيمته بالوعي في تجاوز الاختلافات والخلافات المذهبية، والتفرغ إلى المواجهة على أساس الوجود من عدمه.
إيران اليوم تعيد تاريخ سايكس بيكو ولكن بمشروع طائفي يكون فيه انقسام الإنسان على مذهبه، قبل تقسيم أرضه، وتحلم بعودة إمبراطوريتها على أنقاض ذلك الانقسام، وليس التقسيم الذي أدى قبل مئة عام إلى ولادة حلم إسرائيل، وتبعاً لذلك يجب أن يتعلّم العرب من تاريخ سايكس بيكو كيف هي المؤامرات التي تحاك ضدهم، وخطر المشروعات التي تنال منهم، وأن يفيقوا ليعوا أن إيران هي مصدر تهديدهم، وأداة الدول العظمى للتغيير في المنطقة بأقل الخسائر.
الرياض