“الله يخليلي جيراني مو مخليني اعتاز حدا وصبحي مابقصر معي”
رسم الأسى على وجهها قسمات ثقيلة، خطها الزمن والكثير من التجاعيد.
عيون تنظر في هدوء عميق، حيث تحول فيها البياض إلى صفار، حواس قد أخذت بالضمور، وظهر انحنى وتقوّس، وذاكرة متداعية تستذكر الماضي وتنسى الكثير من الحاضر.. أما المستقبل ربما لاوجود له لايبشر بجديد، والشعر فقد أصبح أبيضاً، والخطوات أكثر بطءً، ويد مرتعشة لا تقوى على حمل كوب ماء، وحبوب الدواء رفيقها الوفي ..
المرأة المسنة أم صبحي التي جار الزمان عليها، تبلغ من العمر 60 عاما، من مدينة حلفايا تظهر على وجهها ملامح التعب والشقاء، غطت التجاعيد قسمات وجهها وجسدها، ترتدي ثيابا مزركشة تحمل الطابع التراثي، ألوانها متنوعة.
تسكن في غرفة سقفها من الطين والخشب وجدرانها ذات ألوان باهتة، تتسرب من شقوقها أمطار الشتاء عبر الثقوب …
دموعها التي تقاطرت على وجنتيها والتي حاولت إخفاءها، تعكس متاعب عقود طويلة وتخفي خلفها وجعا وحزنا كبيرين، أكبر مما نطقه لسانها وما يحتويه قلبها من حنين وذكريات لابنها الذي سافر إلى أوربا بداية عام 2015، قاصدا حياة رغيدة ومستقرة.
تحاول أن تشكو همها لمجموعة من الشجيرات الصغيرة وبعض الورود التي زرعتها في حديقة منزلها، وتبوح لها بما لاتستطيع قوله أمام الآخرين …
“سافر ابني الوحيد صبحي لحتى يأمن حالو وغيابه كسر ضهري” تقولها أم صبحي والحزن بادٍ على وجهها وفي نبرة صوتها المرتجف ، كما تتمنى رؤية صبحي قبل وفاتها وتأمل ألا تموت دون أن يكون بجانبها، هذا أكبر آمالها.
فرغم نكد هذه الدنيا ومتاعبها، مازالت أم صبحي تصارع عدة أمراض غزت جسدها، وتجد في المزروعات التي ترعاها في فناء منزلها صديقا
تشكو له همها وألمها وبأسها. ويحكي لها حكايات أيام مضت جمعتها ب ابنها ولحظات سارَة قضتها معه..
تتابع أم صبحي حديثها فتقول” الله يخليلي جيراني مو مخليني اعتاز حدا وصبحي مابقصر معي عطول بيبعتلي مصاري”
فهم يرون فيها الجذور والأصل والحكمة حيث الماضي الطيب والأيام الجميلة التي تجسد المعنى الحقيقي للأخوة والألفة والمحبة رغم الظروف الصعبة، مما يجعل للحياة معنى جميلا للتمسك بالحياة والتعلق بها لتعيش الباقي من عمرها في سعادة وفرحة الانتظار في رؤية ولقاء صبحي .
وبعد غياب يدوم لعدة سنوات، تنثر رياحين اللقاء عبقها في جو من الشوق واللهفة، لتضم أم صبحي وحيدها صبحي وتسجد باكية حامدة، فهي لطالما دعت وتمنت عناقه ورؤيته قبل مماتها.
فالشوق له أضنى فؤادها والحنين احتوى كيانها وروحها.. لكن فرحتها كانت مضاعفة برؤية أطفال صبحي وهذا مازاد من اللقاء بهجة وفرحة …
خيرية حلاق
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع