غيرت الحرب كثيرا من القيم والعادات الاجتماعية المتوارثة في سوريا، فأصبحت الأعياد تقتصر على زيارة المقابر واسترجاع الذكريات الجميلة التي لن تتكرر، والأعراس بلياليها السبع أصبحت من المنسيات لتتحول لحفلة صغيرة وغالبا ما تكون دون عريس، بسبب ارتفاع نسبة هجرة الشباب إلى دول أخرى بحثا عن فرص عمل أفضل وهربا من الاعتقال أو السوق الإجباري لخدمة العلم للقتال في صفوف النظام، فيضطر الأهل لخطبة الفتاة وزواجها بغياب عريسها ومن ثم بعثها له إلى جيت يكون.
ولعل الزواج من أكثر العادات تأثرا بالحرب، ففي السابق كان الشباب يتزوجون بعمر يتراوح ما بين 28 و30 سنة، ريثما ينهون دراستهم ويبحثون عن عمل ليجمعوا تكاليف الزواج، أما في الوقت الحالي انقلبت الموازين وتغيرت الأحوال سواء للشاب أم الفتاة، فقد انتشرت ظاهرة “زواج القاصرات” بشكل كبير وبالأخص للقاطنين في المخيمات الحدودية أو في الدول المجاورة.
يحدثنا “مهند” عسكري انشق عن جيش النظام في درعا ولجأ إلى مخيم الزعتري في الأردن:” فوجئت بعد مكوثي في المخيم بفتيات لا تتجاوز أعمارهن 15 عاما، يحملن أطفالا بين أيديهن، اعتقدت للوهلة الأولى أنهم إخوتهن لكن صدمت بعد أن تعرفت عليهن بأنهم أبناؤهن، تساءلت في نفسي ترى ما السبب الذي يدفع الأهالي لتزويج بناتهن في هذا العمر، وهن في سن الطفولة؟”.
وبات أمرا واضحا أن الجهل والفقر هما العاملان الأساسيان اللذان ساهما في انتشار هذه الظاهرة، فباعتقاد الأهالي أن تزويج بناتهم سيخفف عليهم عبئا ماديا في ظل معيشة أكثر من 80% من السوريين تحت خط الفقر، ومن جانب آخر عزف كثير منهم عن إرسال بناتهم للمدارس لإكمال تعليمهن، لأسباب عدة، منها خوفا عليهن من الطيران أو لأسباب اجتماعية كانت شبه مندثرة وعادت مع الحرب تطبيقا للمثل السائد “البنت مرجوعها لبيتها وجوزها”.
“راما” فتاة تبلغ من العمر14 عاما من ريف إدلب تقول:” أخواتي الأكبر مني ما تزوجوا، وأول عريس إجا طلبني أهلي وافقوا، دايما بقولولي أحسن ما تعنسي متل أخواتك، هالكلمة حفرت بذهني، كنت مفكرة الزواج بيت وفستان أبيض بس طلعت غلطانة، هلأ بطلع عرفقاتي وكل ما بشوفن رايحين عالمدرسة بنقهر وببكي”.
أعادت الحرب كثيرا من المعتقدات الخاطئة حول مفهوم الزواج، فالبعض يرى هذا الأمر طريقة للخلاص وحلا يضمن “الستر” للفتاة خشية أن ينتهي بها المطاف في عداد “العوانس” كما يسميها البعض، الذي ساهم بارتفاع نسبتها لجوء الشباب في انتقاء زوجاتهم لمن هن دون السن القانوني.
“أحمد العمر” باحث اجتماعي من مدينة إدلب يقول:” نلاحظ في السنوات الأخيرة رغبة الشباب دون سن ال23 بالزواج، وذلك ساهم بارتفاع نسبة زواج القاصرات، فباعتقادهم الفتاة الصغيرة تتأقلم بسرعة وتعتاد على بيئة زوجها، أما الفتاة المتعلمة أو الناضجة بالعمر يصعب إرضاؤها وتحتاج لمتطلبات أكثر من القاصرة التي ترضى بالقليل وبالأخص إن كانت من بيئة فقيرة”.
نشرت منظمة “اليونسيف” التي تعنى بالطفولة مؤخرا صورة لفتاة من إحدى المخيمات الحدودية، تدعو فيها المجتمعات المحلية للحد من زواج القاصرات، واعتبرته انتهاكا لحقوق الإنسان، ونشرت المنظمة إحصائية حديثة تفيد أن 47,700 من المراهقات يتزوجن كل يوم، وأطلقت في يوم السكان العالمي حملة “لا لزواج الأطفال”، فهل ستلقى هذه الحملة آذانا صاغية وتحرض المجتمع على إصدار قانون يمنع هذا الزواج، أم أنها ستبقى هامشا لا يثمر عنها شيء؟
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد