يبدو أن القيادة الروسية اليوم, قد باتت هي اللاعب الوحيد على الساحة السورية من دون أي منافس أو حتى رقيب عتيد لجرائمها المرتكبة يوميا بحق أبناء الشعب السوري, فعلى مدار خمس سنوات متواصلة من عمر الثورة السورية, تغيرت الوجوه الخاصة باللاعبين والداعمين والأطراف المعنية بالأزمة السورية, حيث شهدت تلك الساحة تبادلا للأدوار مصحوبة بعمليات إقصاء واستثناء شملت العديد من الدول والتحالفات وباختلاف أحجامها وإمكانياتها, أما اليوم فأين تقف تلك الدول ضمن الساحة السورية؟!.
الجواب: ليست موجودة إلّا ضمن الخارطة الجغرافية فيما يسمى بمجموعة “دول أصدقاء الشعب السوري”, حتى الولايات المتحدة الأمريكية يبدو وكأنها انسحبت تماما وبدأت تتماشى بشكل كامل مع الرغبة الروسية, هذا إن لم نقل أنها وكَّلت روسيا بحرب “الوكالة” في سورية.
ولأن روسيا اليوم هي الدولة الوحيدة المتحكمة بأدق التفاصيل العسكرية والسياسية على الأرض السورية, فمن المنطق العقلي أن تظن أنه يحق لها ما لا يحق لغيرها, بعد أن بات المجتمع الدولي برمته يتمتع بصفة المراقب الخارجي لجرائم دولة “القياصرة” في سورية.
ليست المسألة أو القضية أن نناقش توقيت وأسباب الخطوات الروسية المفاجئة بتوسيع زمام الحرب على الساحة السورية, ولكن علينا أن نسلِّم بمسألتين جوهريتين:
إما أن الدولة الروسية تلعب دور القاتل المأجور الذي يتقاضى أجره بعد كل عملية إجرامية تقوم بها, وسيتم تحجيمه فيما بعد على أساس التراضي مع تلك الأطراف الخفية ذات المصلحة الحقيقية بإطلاق اليد الروسية في سورية كما يحدث عادة من تحت الطاولات السياسية فيما يعرف بمصطلح “اتفاقات الخطوط الساخنة السرية”.
أو أن تلك الأطراف اللاعبة من وراء الستار تهيئ لروسيا الظروف لتزيد من هجماتها ضد الخصم المشترك لها وللأطراف الدولية الأحرى في سورية بما يعرف “بحرب الوكالة”, بما يضمن مزيدا من توريط روسيا في مستنقع أزمة متشعبة ومعقدة قد لا تنتهي بتلك البساطة التي يعتقدها الروس, وبالتالي تستنزف كل الأطراف المتحاربة حاليا وبشكل فعلي على الأرض السورية لصالح الطرف الخفي آنف الذكر.
وضمن هذا السياق تعمد القيادة الروسية إلى توسيع خطة الاستخدام الأمثل لإمكانيات الحرب لتشمل خارج حدود سورية الجغرافية أو حتى الإطار الإقليمي, فنجد اليوم الأنباء التي تتحدث عن وصول طائرات قاذفة بعيدة المدى من طراز “تو-22 إم3” تابعة لسلاح الجو الروسي إلى مطار “همدان” الإيراني, وقد بدأت هذه الطائرات فعليا شن ضربات على مواقع تابعة لما تسميها روسيا “الجماعات الإرهابية المتطرفة في سورية”.
وبحسب ما ذكرت وزارة الدفاع الروسية, فإنها المرة الأولى التي تقوم فيها روسيا بنشر هكذا نوع من القاذفات العملاقة في إيران من أجل ضرب الأهداف في سورية,
معلّلة ذلك بأن قاعدة حميميم السورية ليست مناسبة لاستقبال هذا النوع من القاذفات التي تعد من الأضخم في العالم, وأن نشرها في إيران يتيح الفرصة لتقليص زمن التحليقات بنسبة 60 بالمائة.
يوما بعد يوم تتمادى القيادة الروسية باستخدام الأساليب العسكرية ضد المدنيين والثورة السورية مع غياب أساليب الضغط الرادعة للكف عن تلك الجرائم التي باتت مكشوفة أمام الجميع, وهذا ما يفسر قيام الدولة الروسية مؤخرا بتوسيع دائرة جغرافيا الاستخدامات العسكرية للسلاح على الأرض لتبلغ خارج حدود المكان من الرقعة الجغرافية للحلف الروسي-الإيراني-السوري, وقد يمتد يوما ليشمل أراضي من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية, فكل شيء قابل للحدوث في ظل تبدُّل المصالح الضيقة بين روسيا اللاعب الحالي الوحيد وبقية دول المنطقة والعالم التي تجلس على مقاعد احتياط اللعبة فيما يبدو.
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود.