أما في شأن الهدنة، فقد أكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أمس الإثنين، أن “استئناف الهدنة في حلب، التي انتهت يوم السبت، غير مطروح للنقاش في الوقت الحالي”. ونقلت وسائل إعلام روسية عن ريابكوف قوله إن “أي تمديد لوقف إطلاق النار يتوقف على أفعال مقاتلي المعارضة على الأرض”. مع العلم أن مساعي موسكو المتكررة لإخراج المعارضة من الأحياء الشرقية في حلب، عبر ممرات حددتها، فشلت بعد رفض المعارضة تطبيق بنود هدنة روسية من طرف واحد، تنص على خروج مقاتليها مع من يرغب من المدنيين المحاصرين. كما توعّدت برد عسكري من شأنه فك الحصار، وتغيير المعادلة العسكرية في ثاني أكبر المدن السورية.
بدوره، دعا وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك إيرولت، إلى “وقف الغارات المدمّرة لقوات النظام والطيران الروسي، بغية إفساح المجال لوصول المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين من جهة، ومنح دفعة لجهود السلام”. وأضاف خلال مؤتمر صحافي مشترك في العاصمة التركية أنقرة، مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، أمس أن “السبيل الوحيد لإيصال المساعدات ودعم المفاوضات هو وقف الغارات”. واعتبر أن الحل في سورية سياسي.
بموازاة ذلك، لم تتضح بعد الصورة الكاملة لمجريات الأحداث العسكرية في ريف حلب الشمالي، والشمالي الشرقي، بفعل تضارب الأنباء عن سير عملية “درع الفرات” التي بدأتها المعارضة أواخر شهر أغسطس/آب الماضي، بدعم مباشر من الجيش التركي، وأفضت إلى تطهير كامل الشريط الحدودي مع تركيا من تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، والسيطرة على مدن هامة منها جرابلس.
ويبدو أن توجه فصائل المعارضة المشاركة في هذه العملية إلى مدينة تل رفعت، شمال حلب، منذ أيام لانتزاع السيطرة عليها من “قوات سورية الديمقراطية”، التي تشكّل الوحدات الكردية قوامها الرئيسي، تواجه عراقيل مصدرها تفاهمات دولية وإقليمية غير معلنة حول أولويات هذه العملية، والمدى الذي من الممكن أن تصل له. مع العلم أن الهدوء كان سيد الموقف أمس، في محيط تل رفعت وقرية الشيخ عيسى شرقها، بعد نحو أربع وعشرين ساعة، على اشتباكات شهدتها القرية ونقاط قريبة، لم تسفر عن أي تغييرٍ بمواقع سيطرة أي منهما في تلك المناطق.
وكانت قد وصلت مجموعات من “الجيش السوري الحر” إلى شرقي تل رفعت، التي كانت واحدة من أهم مواقع سيطرة المعارضة بريف حلب الشمالي، قبل أن تسيطر عليها “وحدات حماية الشعب” الكردية في فبراير/ شباط الماضي، مستفيدة حينها من غطاء جوي روسي كثيف، خلال تصاعد الخلاف التركي – الروسي لذروته آنذاك، على خلفية إسقاط أنقرة للمقاتلة الروسية على الحدود السورية ــ التركية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وأكد قائد جيش التحرير المشارك في “درع الفرات”، محمد الغابي لـ”العربي الجديد”، أن “العمليات العسكرية مستمرة لانتزاع السيطرة على مدينة الباب، آخر معاقل داعش في شمال سورية”، في إشارة واضحة إلى أن استرداد مدينة تل رفعت ومحيطها من الوحدات الكردية، ليس من أولويات “درع الفرات” في الوقت الحالي على الأقلّ.
وقد تصدّت فصائل المعارضة، أمس، لمحاولات قوات النظام، ومليشيات موالية لها اقتحام حي صلاح الدين، وكبّدتها خسائر كبيرة. ويُعدّ هذا الحي من أقدم وأهم معاقل المعارضة في جنوب غرب حلب، بعد أن انتزعته من قوات النظام في منتصف عام 2012، إبان الاندفاعة الكبيرة لها في حلب. بعدها، استعادت قوات النظام أجزاء من هذا الحي، ولكن محاولاتها في استعادته كاملاً فشلت، إذ تُواجه بمقاومة من قوات المعارضة، وتتكبّد خسائر فادحة.
من جانبها، ذكرت وكالة سانا التابعة للنظام أن قوات الأخير استعادت أمس، بالتعاون مع ما وصفتهم بـ “الحلفاء” تلة بازو جنوب غربي حلب، وذلك بعد يوم واحد من استعادة جيش النظام السيطرة على كتيبة الدفاع الجوي. وأفادت مصادر محلية في حلب، لـ”العربي الجديد”، أنّ “الطيران الحربي استهدف، حيَّي باب الحديد وقاضي عسكر”.
كما قصفت قوات النظام من مواقعها في تلة الشيخ يوسف، حيي الصاخور وطريق الباب، فيما استهدف قصف مماثل من جبل عزان بالمدفعية، قرية الوضيحي ومحيطها، جنوبي المحافظة. وقتل أربعة مدنيين على الأقل بينهم نساء، وأطفال، في غارةٍ نفذتها طائرات روسية على حي المرجة الحلبي.
في غضون ذلك، لم يفارق الطيران الروسي، وطيران النظام سماء محافظة إدلب شمال غربي سورية، التي تسيطر عليها فصائل معارضة، مرتكبين أكثر من مجزرة بحق مدنيين من بينهم أطفال ونساء. وذكر الناشط الإعلامي محمد كركص لـ “العربي الجديد”، أن “سبعة مدنيين قتلوا، وأُصيب أكثر من سبعين في مدينة خان شيخون، جُلهم من النساء والأطفال، بينهم 17 بحالة حرجة. وذلك إثر 12 غارة جوية للطيران الروسي”. ونوّه إلى أن “الطائرات الروسية قصفت المدينة بصواريخ شديدة الانفجار”. وأفاد كركص أن “سبعة مدنيين آخرين قُتلوا في مدينة كفرتخاريم، في شمال المحافظة بقصف من الطيران الروسي، في الوقت الذي قتلت أم وطفلتها في بلدة كفر عويد بجبل الزاوية، بقصف مدفعي من جيش النظام المتمركز في معسكر جورين، بريف حماة”.
وكان ريف حماة الشمالي على موعد مع قصف جوي كثيف أمس، استهدف أغلب مدنه وبلداته وقراه. وكشف الناشط الإعلامي شحود جدوع لـ “العربي الجديد”، أن “قصفاً بصواريخ مظلية شديدة الانفجار، استهدف المرافق العامة في مدن مورك، وكفرزيتا، وصوران، واللطامنة، وطيبة الإمام، في ريف حماة الشمالي”.
ولفت إلى أن “القصف لم يؤد إلى سقوط قتلى، بسبب نزوح أغلب سكان هذه المدن من بيوتها، منذ أكثر من شهر مع انطلاق معركة المعارضة التي أفضت إلى سيطرتها على مدن وبلدات عدة، قبل أن تتراجع عن معردس، وكوكب، ومعان، إبان الخلاف الدموي بين جند الأقصى، وحركة أحرار الشام”. وأشار جدوع إلى أن “القصف الانتقامي من قبل طيران النظام، أدى إلى حركة نزوح كبيرة بين الأهالي”، موضحاً أن “ريف حماة الشمالي شهد خلال الأسبوع الماضي وحده، نحو 1400 غارة جوية من طيران حربي ومروحي”. وكشف أن “قوات النظام استقدمت تعزيزات كبيرة إلى مناطق شمال حماة، لمنع قوات المعارضة من استرداد المدن التي خسرتها، ولوضع حد للانهيار الكبير لقوات النظام، والمليشيات، وتعزيز خطوط الدفاع عن مدينة حماة، ومطارها العسكري الذي يصفه ناشطون بالمطار القذر، لكون براميل النظام المتفجرة تُصنّع فيه”.
إلى ذلك، ذكرت مصادر في الدفاع المدني بالغوطة الشرقية لدمشق، أن “ثلاثة مدنيين قُتلوا في دوما، كبرى مدن الغوطة، ومعقل المعارضة الأبرز في شرق دمشق، جراء قصف المدينة بالقنابل العنقودية المحرمة دولياً”. كما تعرضت بلدات في غوطة دمشق الغربية، بحسب ناشطين، لقصف ببراميل متفجرة تحوي مادة النابالم الحارقة، وصواريخ أرض ـ أرض من قبل قوات النظام، ومنها الدير خبية، وخان الشيح، وزاكية.
العربي الجديد