ماذا يعني استمرار روسيا بالالتفاف على وعودها، بضمان وقف إطلاق النار في سورية من قبلها وقبل النظام وحلفاؤه من المليشيات الإيرانية؟
روسيا تقوم في صباح يوم الأحد 29 -1- 2017 باستهداف مقرات جيش العزة بأكثر من 12 غارة جوية تسببت بوقوع شهيدين وجرح آخرين من عناصر الفصيل التابع للجيش الحر الذي ينشط في ريف حماة الشمالي, بعد أيام قليلة من إنهاء أعمال مؤتمر “الأستانة” الذي دعت إليه “موسكو” الذي أبدت إعجابها بنتائجه ووصفته الخارجية الروسية “بالإيجابي”, علما أن جيش العزة من الفصائل العسكرية التابعة للمعارضة التي أعلنت عن موافقتها على حضور المؤتمر.
تصرف مركّب وغير مفهوم من شأنه أن يطرح العديد من الأسئلة وإشارات الاستفهام حول الدور الروسي في ضمان استمرار اتفاق وقف إطلاق النار في سورية, الأمر الذي أحدث ردّات فعل مباشرة على هذا التصرف عندما قام جيش العزة بإعلان التبرؤ من هذا الاتفاق, والعودة إلى ساحات القتال.
غض الطرف الروسي لم يكن مبشراً:
بعد سقوط مدينة حلب بيد الروس والنظام والمليشيات بطريقة سريعة وغير واضحة كان لبعض الأطراف الإقليمية دورا مساعدا فيها, أعلنت موسكو عن رغبتها في إجراء اتفاق لوقف شامل لإطلاق النار على الأراضي السورية، فمهدت بالمشاركة مع أنقرة لاجتماع ممثلين عن فصائل المعارضة مع ممثلين عن النظام في أنقرة, وتم على أساسه الإعلان عن هدنة, ثم تلا ذلك مؤتمر الأستانة الذي انتهى مؤخراً, وما بين هذين الاجتماعين بدأ النظام السوري ومليشيا حزب الله اللبناني هجوماً على قرى وبلدات وادي بردى بالطريقة نفسها التي كانت في حلب, ولكن مع غياب التغطية الجوية الروسية, حيث بدت الغاية من الاتفاق، وكأن الهدنة هي فقط لتحجيم دور قوات المعارضة في الرد على العمليات العسكرية التي يقوم بها النظام, رغم إعلان روسيا دورها كضامن لعدم قيام النظام بخرق الهدنة, ومع ذلك صمتت روسيا وغضت الطرف، وانتهت تلك العملية بدخول قوات النظام إلى بلدة “عين الفيجة” والسيطرة عليها والبدء بمشروع تهجير جديد.
بعد سياسة غض الطرف يعود العدوان من جديد:
حذر العديد من المعارضين السوريين من النوايا الروسية المبطنة ودعوا عبر العديد من المنابر الإعلامية إلى عدم الانجرار وراء الرغبة الروسية في فرض رؤيتها للحل السياسي في سوريا, الذي يقوم على تقديم مصالحها ومصالح حلفائها على الأرض, وقد ظهرت نتائج هذا التحذير جلية عندما قامت روسيا بصياغة مسودة لدستور جديد لسورية يلغي هويتها العربية, ويكرس فكرة الفيدرالية المستقبلية, ويحافظ على مصالحها ومصالح من تدعمهم في سورية, وترافق كل ذلك مع المتغيرات الدولية باستلام إدارة “ترامب” زمام المبادرة في الولايات المتحدة الأمريكية و البدء بمهامها, واليوم تعود روسيا نفسها للقيام بعدوان سافر وليس غض الطرف فقط عندما أقدمت على قصف مقار لجيش العزة, في صورة تشير إلى العديد من المتغيرات المستقبلية, ومنها المراوغة الروسية التي لم تنقطع يوما, واللعب على عامل الوقت, والبدء ربما برسم خارطة سياسية جديدة كردة فعل على مواقف الإدارة الأمريكية الحالية فيما يخص الأزمة السورية, أو رغبة روسيا للتملص من كونها الضامن لوقف إطلاق النار؛ لغاية لم تتضح حتى الآن.
المهم من كل ذلك أن صفة “الإيجابية” التي أطلقتها روسيا على نتائج مؤتمر “الأستانة”, كانت أول ثمارها هي عودة العدوان الروسي على الارض السورية من جديد بشكل سافر, وغير مسؤول, لذلك يتساءل العديد من السوريين, هل أغلقت “موسكو” جميع النوافذ التي كان يلتمس فيها السوريون بصيص أمل بمساعٍ روسية جدية؟!
وهل بقي منّا من يراهن على دور روسيا “شريك العدوان” في تحقيق السلام في سورية؟!
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود